منتدى نور اليقين اسلامي تربوي
منتدى نور اليقين يرحب بكل الزوار سائلين المولى تعالى النفع والخير للجميع
منتدى نور اليقين اسلامي تربوي
منتدى نور اليقين يرحب بكل الزوار سائلين المولى تعالى النفع والخير للجميع
منتدى نور اليقين اسلامي تربوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور اليقين اسلامي تربوي

منتدى نور اليقين اسلامي تربوي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
اعلم أن القلوب في الثبات على الخيرو الشر والتردد بينهما ثلاثة :القلب الأول :قلب عمربالتقوى وزكي بالرياضة وطهر عن خبائث الأخلاق فتتفرج فيه خواطر الخيرمن خزائن الغيب فيمده الملك بالهدى .القلب الثاني: قلب مخذول مشحون بالهوى مندس بالخبائث ملوث بالأخلاق الذميمة فيقوى فيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه ويضعف فيه سلطان الايمان ويمتلئ القلب بدخان الهوى فيعدم النور ويصير كالعين الممتلئة بالدخان لا يمكنها النظر ولا يؤثرعنده زجر ولا وعظ .والقلب الثالث: قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى فيدعوه الى الشر فيلحقه خاطر الايمان فيدعوه الى الخير . ((منهاج القاصدين))

 

 موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
صلاح عامر
عضو جديد
عضو جديد



عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 17/03/2013

موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Empty
مُساهمةموضوع: موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3)   موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Emptyالإثنين مايو 27, 2013 4:50 am

أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم.
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " { النساء : 1}
:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال تعالى:"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)"{الفاتحة1-7}

يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- قوله تعالى :" اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)"{الفاتحة:6} فالهداية: هي البيان والدلالة ،ثم التوفيق والإلهام ، وهو بعد البيان والدلالة ،ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل. فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق، وجعل الإيمان في القلب ،وتحبيبه إليه ،وتزيينه في القلب ،وجعله مُؤْثِراً له، راضيًا به ،راغبًا فيه.
وهما هدايتان مستقلتان ، لا يحصل الفلاح إلا بهما ،وهما متضمنتان تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلًا وإجمالًا وإلهامنا له ، وجعلنا مريدين لاتباعه ظاهرًا وباطنًا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة.
ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة، وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين ،فكيف نسأل الهداية؟ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم ،وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلًا مثل ما نريده،
أو أكثر منه، أو دونه ،وما لا نقدر عليه -مما نريده- كذلك ، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله ، فأمر يفوت الحصر ،ونحن محتاجون إلى الهداية التامة ،فمن كملت له هذه الأمور ،كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام.
وللهداية مرتبة أخرى -وهي آخر مراتبها- وهي: الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة ،وهو الصراط الموصل إليها ،فمن هُديَّ في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم ، الذي أرسل به رسله ،وأنزل به كتبه ، هُديَّ هناك إلى الصراط المستقيم ،الموصل إلى جنته ودار ثوابه ،وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ،يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم ،وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط ،فمنهم من يمر كالبرق ،ومنهم من يمر كالطرف ،ومنهم من يمر كالريح ،ومنهم من يمر كشدَّ الركاب ،ومنهم من يسعى سعيًا ،ومنهم من يمشي مشيًا ،ومنهم من يحبوا حبوًا ،ومنهم المخدوش المُسَلَّم ،ومنهم المكردس في النار ،فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا ،حذو القذة بالقذة "(1) جَزَاءً وِفَاقًا "{النبأ:26} " هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "{النمل:90}.
ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم ، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط ،تخطفه وتعوقه عن المرور عليه ،فإن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك ." وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ "{فصلت:46} فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير ،والسلامة من كل شر.(2)

أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم
(1)تحقيق التوحيد :
لقوله تعالى لرسوله  :"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
ولقوله تعالى عن عيسى  لقومه :" أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)"{آل عمران:49-51}

ولقوله تعالى عن عبده ورسوله عيسى :"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ"{مريم:30-36}
ولقوله تعالى:"وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64){الزخرف:63-64}

ولقوله تعالى:"أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)"{يس: 60-61}
ولقوله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)"{الأنعام:82}
وعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ :"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ "لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ" بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".(3)

ولقوله تعالى :"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)"{النحل:36}
ولقوله تعالى:" قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) "{الأنعام :71}

وفي تفسير الجلالين:" قُلْ أَنَدْعُو " أنعبد " مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا " بعبادته " وَلَا يَضُرُّنَا " بتركها وهو الأصنام "وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا" نرجع مشركين " بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ " إلى الإسلام " كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ " أضلته " الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ " متحيرًا لا يدري أين يذهب حال من الهاء " لَهُ أَصْحَابٌ " رفقة " يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى " أي ليهدوه الطريق يقولون له " ائْتِنَا " فلا يجيبهم فيهلك ،والاستفهام للإنكار ،وجملة التشبيه حال من ضمير نُرد " قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى " الذي هو الإسلام " هُوَ الْهُدَى " وما عداه ضلال.
"وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ " أي بأن نسلم " لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ".

ولقوله تعالى :"قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)"{الأنعام:56}
ولقوله تعالى:"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18){الزمر:17}
يقول العلامة السعدي-رحمه الله- : لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم، فقال: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا " والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير اللّه، فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم، لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها.
"وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ " بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات، " لَهُمُ الْبُشْرَى" التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها، وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من اللّه، التي يرون في خلالها، أنه مريد لإكرامهم في الدنيا والآخرة، ولهم البشرى في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة.
ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره اللّه ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال: "فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ "
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة: " اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا " الآية.
وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب؟
قيل: نعم، أحسنه ما نص اللّه عليه :" اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا " الآية.
"الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ " لأحسن الأخلاق والأعمال :" وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ " أي: العقول الزاكية.
ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره على ما سواه، وهذا علامة العقل؛ بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذي يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعًا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل.

توحيد الله تعالى على رأس أعمال الصراط المستقيم:
وقوله تعالى :"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) "{الأنعام:151-153}
وقوله تعالى:"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)"{الأنعام:125-126}
وقوله تعال:"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33){ التوبة:33}،و{الصف:9}
وقوله تعالى:"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28){الفتح:28}.
وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ:" أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ ،وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ،وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ،وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا،وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ..."(4) الحديث
مَعْنَى " نَحَلْته " أَعْطَيْته ، وَفِي الْكَلَام حَذْف ، أَيْ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : كُلّ مَال أَعْطَيْته عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَال ، وَالْمُرَاد إِنْكَار مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ السَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْبَحِيرَة وَالْحَامِي وَغَيْر ذَلِكَ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ ، وَكُلّ مَال مَلَكَهُ الْعَبْد فَهُوَ لَهُ حَلَال ، حَتَّى يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ .
قَوْله تَعَالَى : " وَإِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء كُلّهمْ "
أَيْ : مُسْلِمِينَ ، وَقِيلَ : طَاهِرِينَ مِنْ الْمَعَاصِي ، وَقِيلَ : مُسْتَقِيمِينَ مُنِيبِينَ لِقَبُولِ الْهِدَايَة ، وَقِيلَ : الْمُرَاد حِين أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْد فِي الذَّرّ ، وَقَالَ : " أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى" .
قَوْله تَعَالَى : " وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ "
هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا " فَاجْتَالَتْهُمْ " بِالْجِيمِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ ، وَعَنْ رِوَايَة الْحَافِظ أَبِي عَلِيّ الْغَسَّانِيّ " فَاخْتَالَتْهُمْ " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة . قَالَ : وَالْأَوَّل أَصَحّ وَأَوْضَح ، أَيْ : اِسْتَخَفُّوهُمْ فَذَهَبُوا بِهِمْ وَأَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الْبَاطِل ، كَذَا فَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ ، وَقَالَ شَمِر : اِجْتَالَ الرَّجُل الشَّيْء ذَهَبَ بِهِ ، وَاجْتَالَ أَمْوَالهمْ سَاقَهَا ، وَذَهَبَ بِهَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَمَعْنَى " فَاخْتَالُوهُمْ " بِالْخَاءِ عَلَى رِوَايَة مَنْ رَوَاهُ ، أَيْ : يَحْبِسُونَهُمْ عَنْ دِينهمْ ، وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ .
قَوْله : " وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى نَظَرَ إِلَى أَهْل الْأَرْض فَمَقَتَهُمْ عَرَبهمْ وَعَجَمهمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب "
الْمَقْت : أَشَدّ الْبُغْض ، وَالْمُرَاد بِهَذَا الْمَقْت وَالنَّظَر مَا قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه .
وَالْمُرَاد بِبَقَايَا أَهْل الْكِتَاب ،الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّك بِدِينِهِمْ الْحَقّ مِنْ غَيْر تَبْدِيل .

تحقيق الإيمان بأركانه وعمل الصالحات:
لقوله تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)"{يونس:9}
يقول العلامة السعدي في" تفسيره" : يقول تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " أي: جمعوا بين الإيمان، والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة، المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح، على وجه الإخلاص والمتابعة.
{ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم،. ولهذا قال: " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ " الجارية على الدوام " فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " أضافها الله إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات. ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب، والمناكح ونحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون.

(2)الهداية بالقرآن :
قال تعالى:"الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ"{البقرة:1-2}
وقوله تعالى:"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"{البقرة:38}
وقوله تعالى:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ"{البقرة:185}
وقوله تعالى:" وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) {آل عمران:72-74}
وقال تعالى:":"وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"{الأعراف:52}
وقوله تعالى:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى "{طه:123}
وقال تعالى:"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"{الإسراء:9}
وقال تعالى:"طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ"{النمل:2}
وقال تعالى:"الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ"{لقمان:1-3}
وقال تعالى:"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".{المائدة:15-16}
وقال تعالى:"أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "{الزمر:22-23}
ولقوله تعالى:"وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"{الشورى:52}
ولقوله تعالى:"لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"{النور:46}
ولقوله تعالى:"وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الحج:54}(54)

وقوله تعالى:"{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ } ألهموا .وقال ابن أبي خالد: إلى القرآن. (5)
ويقول الإمام بن حجر- رحمه الله-:وفي قوله تعالى :"وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ"
قَوْله : "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل ": أُلْهِمُوا إِلَى الْقُرْآن .
سَقَطَ قَوْله : " إِلَى الْقُرْآن " لِغَيْرِ أَبِي ذَرّ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيِّ " وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب : أُلْهِمُوا " وَقَالَ اِبْن أَبِي خَالِد : " إِلَى الْقُرْآن ، وَهُدُوا إِلَى صِرَاط الْحَمِيد : الْإِسْلَام " وَهَذَا هُوَ التَّحْرِير .
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : " وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل " قَالَ : أُلْهِمُوا .
وَرَوَى اِبْن الْمُنْذِر مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد فِي قَوْله : " إِلَى الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل " قَالَ : الْقُرْآن : وَفِي قَوْله : " وَهُدُوا إِلَى صِرَاط الْحَمِيد " : الْإِسْلَام .(6)

وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ:" إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ ،كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ ،فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ،وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا ،وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى ،إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً ،فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ ،فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ،وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ،وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ".(7)

ولقوله :" وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ، مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللَّهِ".(8)
وقوله :" أَمَّا بَعْدُ ،أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا :كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ،فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ "- حَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ - ثُمَّ قَالَ:" وَأَهْلُ بَيْتِي ،أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي..."
وفي رواية:":" أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ ،مَنْ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى ،وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ ،وَفِيهِ ،فَقُلْنَا: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟
وفي رواية:" كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ،مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى ،وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ". (9)
وقوله صلى الله عليه وسلم :"كِتَابُ الله هُوَ حَبْلُ الله المَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ".

وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ ،وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ ،فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا ، وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ.(10)

القرآن هو الداعي على رأس الصراط المستقيم :
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ :"ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلاَ تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ ، قَالَ : وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللهِ ، تَعَالَى ، وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللهِ ، تَعَالَى ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ- ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ".(11)

وَعَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ:كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ، عَنِ الْخَيْرِ ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : يَا حُذَيْفَةُ ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ، ثَلاَثَ مِرَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : فِتْنَةٌ وَشَرٌّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ قَالَ : يَا حُذَيْفَةُ ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ، ثَلاَثَ مِرَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ قَالَ : هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، الْهُدْنَةُ عَلَى دَخَنٍ مَا هِيَ ؟ قَالَ : لاَ تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : يَا حُذَيْفَةُ ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ ، وَاتبِعْ مَا فِيهِ ، ثَلاَثَ مِرَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَي أَبْوَابِ اَلنَّارِ ، وَأَنْتَ إِنْ تَمُوتَ ، يَا حُذَيْفَةُ ، وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ.(12)

وعن الحارث قال: دخلت المسجد، إذا الناس قد وقعوا في الأحاديث فأتيت عليًا ، فقلت يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن الناس قد وقعوا في الأحاديث، قال وقد فعلوها؟ قلت نعم، قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله، قال: إنها سَتَكونُ فِتْنَةٌ "قِيلَ:فمَا المَخْرَجُ مِنها؟ قالَ:" كِتابُ الله ،فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبْلَكمْ ،وَخَبَرُ مَنْ بَعْدَكمْ ،وحُكمُ ما بَيْنَكمْ ،هوَ الفَصْلُ ليْسَ بالهَزْلِ، مَنْ تَرَكهُ مِنْ جبَّارٍ قَصَمهُ الله ،ومَنِ ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ أضَلّهُ الله ،وَهوَ حَبْلُ الله المَتِينُ ،وهُوَ الذِّكرُ الحَكيمُ ،وهوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هوَ الذِي لا تَزِيغُ بهِ الأهْواءُ ،ولا تَشْبَعُ مِنهُ العُلَماءُ ،ولا تَلْتَبِسُ بهِ الأَلْسُنُ ،ولا نخْلَقُ عَنِ الرَّدِّ ،
ولا تَنْقَضِي عَجائِبُهُ ،هوَ الذي لم تفُتْهُ الجِنُّ إذْ سَمِعَتْهُ عن أنْ قالوا:" إِنَّا سَمِعْنا قرْآناً عَجَباً يَهْدِي إلى الرُّشْدِ "مَنْ قالَ به صَدَقَ ،ومَنْ حَكَمَ به عَدَلَ ،ومَنْ عَمِلَ به أُجِرَ ،ومَنْ دَعا إليه هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (13)

القرآن من أهم أسباب معافاة القلب من أمراض الشهوات والشبهات :
لقوله تعالى:":"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ "{يونس:57}
وقوله تعالى:"قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ"{فصلت:44}
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ:أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ  آيَةً ، وَأَقْرَأَهَا آخَرَ غَيْرَ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ ، فَقُلْتُ : مَنْ أَقْرَأَكَهَا ؟ قَالَ : أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ، قُلْتُ : وَاللَّهِ ، لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا كَذَا وَكَذَا ، قَالَ أُبَيٌّ : فَمَا تَخَلَّجَ فِي نَفْسِي مِنَ الإِسْلاَمِ مَا تَخَلَّجَ يَوْمَئِذٍ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَمْ تُقْرِئْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ هَذَا يَدَّعِي أَنَّكَ أَقْرَأْتَهُ كَذَا وَكَذَا ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ، فَذَهَبَ ذَاكَ ، فَمَا وَجَدْتُ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَتَانِي جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : اقْرَأ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ : اسْتَزِدْهُ ، قَالَ : اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ ، قَالَ : اسْتَزِدْهُ ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ، قَالَ : كُلٌّ شَافٍ كَافٍ.(14)
- وفي رواية : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.
وقال ابن القيم : جماع أمراض القلب الشبهات والشهوات والقرآن شفاء لهما ففيه من البينات والبراهين القطيعة والدلالة على المطالب العالية ما لم يتضمنه كتاب سواه فهو الشفاء بالحقيقة لكن ذلك موقوف على فهمه وتقريره المراد فيه.
وعن قتادة ، قال : « ما جالس أحد القرآن إلا فارقه بزيادة أو نقصان » . قال : ثم قرأ : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا "{الإسراء: 82}.(15)
(3)متابعة النبي:
لقوله تعالى لرسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم :"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)

وقوله تعالي : " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) "{الشورى :52}
ولقوله تعالى : " وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا "{النور :54}
ولقوله تعالى :"قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)"الأعراف:158}
ولقوله تعالى : " وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) " {النساء :66-68}
ولقوله تعالى : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) " (الأنعام : 153)
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ،وَعَلاَ صَوْتُهُ ،وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ :« صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ». وَيَقُولُ « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ». وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: « أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ،وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ،وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ». ثُمَّ يَقُولُ « أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ،مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ ،وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَإِلَىَّ وَعَلَىَّ ».(16)

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قَالَ  :" فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ ، وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ".(17)
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ  فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ: أَجَلْ ،وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ،وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي ،سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ،لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ،وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ،وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ،وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ،وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا".(18)
الشاهد قوله:" وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ ".

وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ذَاتَ يَوْمٍ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدْ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"إِنِّي قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا , لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي مِنْكُمْ إِلا هَالِكٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَإِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ، وَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا".(19)
قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- : الصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة .
ويقول فضيلة الشيخ هاني الحاج : فالصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمدًا بفعل ما أمر، وترك ما حظر ، وتصديقه فيما أخبر ، لا طريق إلى الله إلا ذلك ، وهذا سبيل أولياء الله المتقين ، وحزب الله المفلحين ، وجند الله الغالبين ، وكل ما خالف ذلك فهو من طريق أهل الغي والضلال ، وقد نزه الله نبيه 
عن هذا وهذا ، فقال تعالى : "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (2) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" { النجم :1-4}

وذكر الطبري في كتاب آداب النفوس: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان أن رجلًا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم ؟ قال: تركنا محمد  في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط آنتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: " وأن هذا صراطي مستقيمًا " الآية.
وقال عبد الله بن مسعود: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع ، وعليكم بالعتيق.
وقال مجاهد في قوله: " ولا تتبعوا السبل " قال: البدع.
قال ابن شهاب: وهذا كقوله تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا" . آية.
فالهرب الهرب، والنجاة النجاة ! والتمسك بالطريق المستقيم والسنن القويم، الذي سلكه السلف الصالح، وفيه المتجر الرابح.

يقول الشيخ عبد الرءوف محمد عثمان: إذا كان الإنسان بفطرته يحب من نصحه أو أحسن إليه مرة أو مرتين، فما بالنا بالناصح الأمين البر الشفيق على أمته ،والذي كانت حياته كلها نصحًا لأمته ،وتعليمًا لها ،وتزكية لأرواحها وأبدانها ، وهو الذي هدى البشرية- بإذن ربها- إلى الصراط المستقيم ،بعدما كانت تعيش في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء ، ولولا رحمة الله للناس ببعثته ورسالته لعاش الناس في بحار الظلمات تتقاذفهم الأمواج فلا يجدون إلى ساحل الهداية سبيلًا .
يقول الله عز وجل : "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ "
وقال تعالى : "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ".
لأجل هذا كانت المنة ببعثة النبي  عظيمة ، والنعمة بذلك جسيمة . ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من أدرك الفرق بين الهدى والضلال وبين الجاهلية والإسلام وبين رضى الله وسخطه .
فمن عرف هذا الفرق وأدركه إدراكا يقينيا علم عظم هذه النعمة التي لا تعادلها نعمة على ظهر الأرض ، وأحب الرسول بكل قلبه وآثر حب الله ورسوله على ما سواهما .
ولأجل هذا كان الصحابة أشد الخلق حبًا لرسول الله ؛ لأنهم عاشوا الجاهلية وعاينوها عن قرب ،فلما جاء الإسلام وأدركوا الفرق بين الظلمات والنور ،ازداد تمسكهم بالإسلام ،واشتد حبهم على مر الأيام لهذا النبي العظيم.(20)
وقال الشاعر :
ليس الطريق سوى طريق محمد فهي الصراط المستقيم لمن سلك
من يمشى في طرقاته فقد اهتدى سبل الرشاد ومن يزغ فقد هلك .(21)
(4)الإيمان بالغيب:
(5)إقام الصلاة :
(6)إيتاء الزكاة :
(7)خشيـة الله :
(8)صلة الرحم :
لقوله تعالى:"الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)"{البقرة:1-5}

ويقول الإمام السعدي –رحمه الله – في تفسير قوله تعالى:"{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نَره ولم نُشاهده، وإنما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله ، فهذا الإيمان الذي يُميَّز به المسلم من الكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده أو لم يشاهده ،وسواء فهمه وعقله أو لم يهتد إليه عقله وفهمه، بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية ؛ لأن عقولهم القاصرة المُقصِرة لم تهتدِ إليها، فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ،ففسدت عقولهم، ومرجت أحلامُهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.
ويدخل في الإيمان بالغيب، {الإيمان ب}جميعُ ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة، وأحوال الآخرة، وحقائق أوصاف الله وكيفيتها، {وما أخبرت به الرسل من ذلك}فيؤمنون بصفات الله ووجودها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتها.
ولقوله تعالى :"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)"{التوبة:18}
يقول الإمام ابن كثير في "تفسيره"
وقوله: " وَأَقَامَ الصَّلاةَ " أي: التي هي أكبر عبادات البدن، " وَآتَى الزَّكَاةَ " أي: التي هي أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلائق، "وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ " أي: ولم يخف إلا من الله تعالى، ولم يخش سواه، " فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ "
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " يقول: من وحد الله، وآمن باليوم الآخر يقول: من آمن بما أنزل الله، " وَأَقَامَ الصَّلاةَ " يعني: الصلوات الخمس، " وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ " يقول: لم يعبد إلا الله -ثم قال: " فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ " يقول: إن أولئك هم المفلحون، كقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" {الإسراء:79} يقول: إن ربك سيبعثك مقاما محمودًا وهي الشفاعة، وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار، رحمه الله: و"عسى" من الله حق.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عامر
عضو جديد
عضو جديد



عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 17/03/2013

موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3)   موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Emptyالإثنين مايو 27, 2013 4:55 am

المقالة الثانية "أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم"(2)
(10) شكر العبد لنعم الله تعالى عليه :
لقوله تعالى:" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121){النحل:120-121}
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله – في "تفسيره" : يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء, ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية, فقال: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً " فأما الأمة: فهو الإمام الذي يقتدى به, والقانت: هو الخاشع المطيع, والحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد, ولهذا قال: " وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين عن أبي العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت, فقال: الأمة معلم الخير, والقانت: المطيع لله ورسوله, وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلم الناس دينهم, وقال الأعمش عن يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رق له, فقال: أخبرني عن الأمة, فقال: الذي يعلم الناس الخير.
وقال الشعبي: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذًا كان أمة قانتًا لله حنيفاً, فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن, وقال إنما قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} فقال: أتدري ما الأمة وما القانت ؟ قلت: الله أعلم, فقال: الأمة الذي يعلم الخير, والقانت المطيع لله ورسوله, وكذلك كان معاذ.
وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود, أخرجه ابن جرير. وقال مجاهد: أمة أي أمة وحده, والقانت المطيع وقال مجاهد أيضًا: كان إبراهيم أمة :أي مؤمنًا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار.
وقال قتادة: كان إمام هدى, والقانت المطيع لله. وقوله: "شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ " أي قائماً بشكر نعم الله عليه, كقوله تعالى: " وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى " أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله: " اجْتَبَاهُ " أي اختاره واصطفاه كقوله: " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ", ثم قال: " وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي. وقوله: " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً " أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة " وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ". وقال مجاهد في قوله: " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً " أي لسان صدق.
ويقول العلامة السعدي –رحمه الله- : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً " أي: إماما جامعا لخصال الخير هاديًا مهتديًا. " قَانِتًا لِلَّهِ" أي: مديمًا لطاعة ربه مخلصًا له الدين، "حَنِيفًا" مقبلًا على الله بالمحبة، والإنابة والعبودية معرضًا عمن سواه. { وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } في قوله وعمله، وجميع أحواله لأنه إمام الموحدين الحنفاء.
{ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ } أي: آتاه الله في الدنيا حسنة، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة ، فقام بشكرها، فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن { اجْتَبَاهُ } ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين.
{ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } في علمه وعمله فعلم بالحق وآثره على غيره.

(12)الإنابة إلى الله :
قال تعالى:" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)"{الشورى:13}
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- : قد علمت أن من نزل في منزل التوبة وقام في مقامها نزل في جميع
منازل الإسلام، فإن التوبة الكاملة متضمنة لها وهي مندرجة فيها، ولكن لابد من إفرادها بالذكر والتفصيل تبيينا لحقائقها وخواصها وشروطها، فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة وقد أمر الله تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها فقال :" وأنيبوا إلى ربكم"{الزمر : 54 }وقال : "إن إبراهيم لحليم أواه منيب"{ هود: 75 }وأخبر أن آياته إنما يتبصر بها ويتذكر أهل الإنابة ،فقال:" أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها إلى أن قال تبصرة وذكرى لكل عبد منيب"{ ق:68 }وقال تعالى:" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب "{غافر: 13 }وقال تعالى:" منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة"{الروم:31} الآية.
ف"منيبين "منصوب على الحال من الضمير المستكن في قوله :"فأقم وجهك"{الروم:30}لأن هذا الخطاب له ولأمته. أي: أقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه نظيره قوله :"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء"{الطلاق:1} ويجوز أن يكون حالًا من المفعول في قوله:" فطر الناس عليها"{الروم:30} أي فطرهم منيبين إليه ،فلو خلوا وفطرهم لما عدلت عن الإنابة إليه ،ولكنها تحول وتتغير عما فُطرت عليه ،كما قال صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ "(1) وفي رواية : عَلَى الْمِلَّةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ " (2)وقال عن نبيه داود:" فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ "{ص : 24 }وأخبر أن ثوابه وجنته لأهل الخشية والإنابة فقال : " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) "{ ق : 31-34 }وأخبر سبحانه أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة فقال : :" وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى"{ الزمر : 17}.
"والإنابة" إنابتان : إنابة لربوبيته ،وهي إنابة المخلوقات كلها يشترك فيها المؤمن والكافر ،والبر والفاجر، قال الله تعالى :" وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ "{ الروم : 33 }فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر كما هو الواقع ،وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام بل تجامع الشرك والكفر ،كما قال تعالى في حق هؤلاء:" ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ "{الروم : 33-34} فهذا حالهم بعد إنابتهم "
والإنابة" الثانية: إنابة أوليائه .وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة .
وهي تتضمن أربعة أمور : محبته ،والخضوع له ،والإقبال عليه ،والإعراض عما سواه، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربعة،وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك .
وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع والتقدم ،و المنيب إلى الله : المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كل وقت المتقدم إلى محابه .
قال صاحب المنازل : الإنابة في اللغة : الرجوع .وهي وههنا الرجوع إلى الحق .
وهى ثلاثة أشياء : الرجوع إلى الحق إصلاحًا ،كما رجع إليه اعتذارًا ،والرجوع إليه وفاء كما رجع إليه عهدًا، والرجوع إليه حالًا ،كما رجعت إليه إجابة.
لما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته ،كان من تتمة ذلك : رجوعه إليه بالاجتهاد ،والنصح في طاعته ،كما قال :" إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا "{مريم:60}وقال : " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا "{ البقرة : 160}فلا تنفع توبة وبطالة، فلا بد من توبة وعمل صالح : ترك لما يكره ،وفعل لما يحب ،تخل عن معصيته ،وتحل بطاعته .
وكذلك الرجوع إليه بالوفاء بعهده ،كما رجعت إليه عند أخذ العهد عليك، فرجعت إليه بالدخول تحت عهده أولا،فعليك بالرجوع بالوفاء بما عاهدته عليه ثانيًا. والدين كله : عهد ووفاء ،فإن الله أخذ عهده على جميع المكلفين بطاعته ، فأخذ عهده على أنبيائه ورسله على لسان ملائكته، أو منه إلى الرسول بلا واسطة، كما كلم موسى ،وأخذ عهده على الأمم بواسطة الرسل ،وأخذ عهده على الجهال بواسطة العلماء ،فأخذ عهده على هؤلاء بالتعليم ،وعلى هؤلاء بالتعلم ،ومدح الموفين بعهده ،وأخبرهم بما لهم عنده من الأجر، فقال :" وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)"{الإسراء:34}وقال :" وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ "
{النحل :91}وقال : " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا "{ البقرة : 177 }وهذا يتناول عهودهم مع الله بالوفاء له بالإخلاص والإيمان والطاعة،
وعهودهم مع الخلق .وأخبر النبي : أن من علامات النفاق:" الغدر بعد العهد"(3) فما أناب إلى الله عز و جل من خان عهده وغدر به ،كما أنه لم ينب إليه من لم يدخل تحت عهده،فالإنابة لا تتحقق إلا بالتزام العهد والوفاء به.
وقوله : والرجوع إليه حالاً كما رجعت إليه إجابة.
أي هو سبحانه قد دعاك فأجبته بلبيك وسعديك قولًا، فلا بد من الإجابة حالًا تصدق به المقال ،فإن الأحوال تصدق الأقوال أو تكذبها ،وكل قول فلصدقه وكذبه شاهد من حال قائله ،فكما رجعت إلى الله إجابة بالمقال، فارجع إليه إجابة بالحال، قال الحسن رحمه الله : ابن آدم لك قول وعمل ،وعملك أولى بك من قولك ،ولك سريرة وعلانية ،وسريرتك أملك بك من علانيتك.
قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء : بالخروج من التبعات ،والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات .
والخروج من التبعات" : هو بالتوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله ،وأداء الحقوق التي عليه للخلق .
والتوجع للعثرات يحتمل شيئين:
أحدهما : أن يتوجع لعثرته إذا عثر ،فيتوجع قلبه وينصدع ،وهذا دليل على إنابته إلى الله ،بخلاف من لا يتألم قلبه ،ولا ينصدع من عثرته ،فإنه دليل على فساد قلبه وموته .
الثاني : أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر ،حتى كأنه هو الذي عثر بها ،ولا يشمت به فهو دليل على رقة قلبه وإنابته .
واستدراك الفائتات : هو استدراك ما فاته من طاعة وقربة بأمثالها أو خير منها ،ولا سيما في بقية عمره عند قرب رحيله إلى الله ،فبقية عمر المؤمن لا قيمة لها ،يستدرك بها ما فات، ويحيي بها ما أمات.
وقال : وإنما يستقيم الرجوع إليه عهدًا بثلاثة أشياء: بالخلاص من لذة الذنب ،وبترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفا عليهم ،مع الرجاء لنفسك وبالاستقصاء في رؤية علة الخدمة.
إذا صفت له الإنابة إلى ربه تخلص من الفكرة في لذة الذنب ،وعاد مكانها ألمًا وتوجعًا لذكره والفكرة فيه،فما دامت لذة الفكرة فيه موجودة في قلبه فإنابته غير صافية.
فإن قيل : أي الحالين أعلى؟ حال من يجد لذة الذنب في قلبه فهو يجاهدها لله ،ويتركها من خوفه ومحبته وإجلاله ،أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه وصار مكانها ألما وتوجعا وطمأنينة إلى ربه وسكونًا إليه والتذاذا بحبه وتنعمًا بذكره؟.
قيل : حال هذا أكمل وأرفع ،وغاية صاحب المجاهدة: أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته ،ولكنه يتلوه في المنزلة والقرب ومنوط به.
فإن قيل : فأين أجر مجاهدة صاحب اللذة وتركه محابه لله ،وإيثاره رضي الله على هواه ؟وبهذا كان النوع الإنساني أفضل من النوع الملكي عند أهل السنة ،وكانوا خير البرية ،والمطمئن قد استراح من ألم هذه المجاهدة وعوفي منها ،فبينهما من التفاوت ما بين درجة المعافى والمبتلى.
قيل : النفس لها ثلاثة أحوال : الأمر بالذنب ،ثم اللوم عليه ،والندم منه ،ثم الطمأنينة إلى ربها ،والإقبال بكليتها عليه ،وهذه الحال أعلى أحوالها وأرفعها ،وهي التي يشمر إليها المجاهد ،وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله ،فهو بمنزلة راكب القفار ،والمهامة والأهوال،ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به ،والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفًا وقائمًا،وراكعًا وساجدًا، ليس له التفات إلى غيره ، فهذا مشغول بالغاية ،وذاك بالوسيلة ،وكل له أجر ،ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بون، وما يحصل للمطمئن من الأحوال والعبودية والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسه في ذات الله ،وإن كان أكثر عملًا ،فقدر عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم ،وإن كان هذا المجاهد أكثر عملًا ،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فما سبق الصديق الصحابة بكثرة عمل ،وقد كان فيهم من هو أكثر صيامًا وحجًا وقراءة وصلاة منه ، ولكن بأمر آخر قام بقلبه ،حتى إن أفضل الصحابة كان يسابقه ولا يراه إلا أمامه، ولكن عبودية مجاهد نفسه على لذة الذنب والشهوة ،قد تكون أشق ولا يلزم من مشقتها تفضيلها في الدرجة .

ومن علامات الإنابة : ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم ،مع فتحك باب الرجاء لنفسك، فترجو لنفسك الرحمة ،وتخشى على أهل الغفلة النقمة، ولكن ارج لهم الرحمة ،واخش على نفسك النقمة ،فإن كنت لا بد مستهينًا بهم ،ماقتًا لهم لانكشاف أحوالهم لك ورؤية ما هم عليه، فكن لنفسك أشد مقتًا منك لهم، وكن لهم أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك .قال بعض السلف : لن تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ،ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتًا .
وهذا الكلام لا يفقه معناه إلا الفقيه في دين الله ،فإن من شهد حقيقة الخلق وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم، بل تفريطهم وإضاعتهم لحق الله ،وإقبالهم على غيره ،وبيعهم حظهم من الله بأبخس الثمن من هذا العاجل الفاني، لم يجد بدًا من مقتهم ،ولا يمكنه غير ذلك ألبتة ،ولكن إذا رجع إلى نفسه وحاله وتقصيره وكان على بصيرة من ذلك : كان لنفسه أشد مقتًا ،واستهانة فهذا هو الفقيه.
وأما الاستقصاء في رؤية علل الخدمة : فهو التفتيش عما يشوبها من حظوظ النفس ،وتمييز حق الرب منها من حظ النفس ،ولعل أكثرها أو كلها أن تكون حظًا لنفسك وأنت لا تشعر.

(13)الاعتصام بالله تعالى:
لقوله تعالى:"وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101){آل عمران:101}
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله -:يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من الذين أوتوا الكتاب، الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، وما مَنَحهم به من إرسال رسوله (1) كما قال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } {البقرة:109} وهكذا قال هاهنا: { إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } ثُمَّ قَالَ { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } يعني: أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه؛ فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلًا ونهارًا، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " {الحديد:8} والآية بعدها. ثم قال تعالى: :"وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " أيّ: ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العُمْدة في الهداية، والعُدَّة في مباعدة الغَواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد.
ويقول الإمام الطبري في تفسيره: قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وكيف تكفرون"، أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله، فترتدّوا على أعقابكم "وأنتم تتلى عليكم آيات الله"، يعني: حججُ الله عليكم التي أنزلها في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم "وفيكم رسوله" حجةٌ أخرَى عليكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ، ويبصِّركم الهدَى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال؟. يقول لهم تعالى ذكره: فما وجه عُذْركم عند ربكم في جحودكم نبوَّة نبيِّكم، وارتدادكم على أعقابكم، ورجوعكم إلى أمر جاهليتكم، إنْ أنتم راجعتم ذلك وكفرتم، وفيه هذه الحجج الواضحة والآياتُ البينة على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه؟ كما:-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله" الآية، علَمان بيِّنان: وُجْدان نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكتابُ الله. فأما نبيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم. وأما كتاب الله، فأبقاه الله بين أظهُركم رحمة من الله ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
وأما قوله:"ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم"، فإنه يعني: ومن يتعلق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته فقد هدى، يقول: فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضي الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته.
ويقول الإمام الطبري –رحمه الله- في تفسيره:القول في تأويل قوله : " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا "
وقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فأما الذين صدَّقوا الله وأقرّوا بوحدانيته، وما بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم من أهل الملل" وَاعْتَصَمُوا بِهِ "، يقول: وتمسكوا بالنور المبين الذي أنزله إلى نبيه.
وعن ابن جريج:" وَاعْتَصَمُوا بِهِ "، قال: بالقرآن.
" فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ "، يقول: فسوف تنالهم رحمته التي تنجيهم من عقابه، وتوجب لهم ثوابه ورحمته وجنته، ويلحَقهم من فضله ما لَحِق أهل الإيمان به والتصديق برسله " وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا "، يقول: ويوفقهم لإصابة فضله الذي تفضل به على أوليائه، ويسدِّدهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته، ولاقتفاء آثارهم واتباع دينهم. وذلك هو"الصراط المستقيم"، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده، وهو الإسلام . ونصب"الصراط المستقيم" على القطع من"الهاء" التي في قوله:"إليه".

(14) سلامة القلب :
قال تعالى:" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "{الشعراء:88-89}
وامتد ح الله تعالى نبيه وخليله إبراهيم لسلامة قلبه ، فقال تعالى:" سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الصافات : 79-84}
ولقوله تعالى : " وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ " {الحجرات :7}

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُولُ :«إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبِيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلبُ».(5)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ:"إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".(6)
وعن حذيفة رضي الله عنه ، قال :سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:"تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ ، عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا ، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".(7)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" لَا تَحَاسَدُوا ،وَلَا تَنَاجَشُوا ،وَلَا تَبَاغَضُوا ،وَلَا تَدَابَرُوا ،وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ،وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ ،وَلَا يَخْذُلُهُ ،وَلَا يَحْقِرُهُ ،التَّقْوَى هَاهُنَا- وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ ،وَمَالُهُ ،وَعِرْضُهُ".(8)
الشاهد من الحديث: قوله " التَّقْوَى هَاهُنَا". وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
إنَّ هذا الدين إنما نزل في حقيقته لتزكية القلوب وإصلاحها، ولهذا يقول:"أنا دَعْوَةُ أبي إِبْرَاهِيمَ ".(9)
ودعوة أبينا إبراهيم هي ما في قوله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" {البقرة:129}فإبراهيم عليه السلام دعا الله لما بني هذا البيت العظيم "العتيق" أن يبعث في هذه الأمة هذا الرسول وبهذه الأهداف والأغراض، وقد استجاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دعوة إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {الجمعة:2}.
فنلاحظ هنا أن هذه الأمور الثلاثة المدعو بها اختلفت ترتيبها، فتقدمت التزكية على التعليم، ولاشك أن الإنسان لا يمكن أن يتزكى إلا بأن يتعلم الكتاب والسنة، فيتعلم الهدى الذي جاء به النبي  ؛ لكن عندما تتقدم التزكية فهي من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية.
فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ".
وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل الأعمال التي لو استعرضناها؛ لعجبتم ولعلمتم أن لهذه القلوب شأنًا عظيمًا عند الله تبارك وتعالى، كيف لا والقلب هو الذي إذا كان حيًا فإن الجسد يحيا معه، وإذا مات مات الجسد.
دعاءه  لربه بأن يهد قلبه ويسلل سخيمته:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ،قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو :"رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ ،وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ،وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ،وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ ،وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا ،لَكَ ذَاكِرًا ،لَكَ رَاهِبًا ،لَكَ مِطْوَاعًا ،إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا ،رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ،وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ،وَأَجِبْ دَعْوَتِي ،وَثَبِّتْ حُجَّتِي ،وَاهْدِ قَلْبِي ،وَسَدِّدْ لِسَانِي ،وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي".(10)

(15)المجاهدة في الله:
لقوله تعالى :"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)"{العنكبوت :69}
يقول فضيلة الشيخ سيد قطب –رحمه الله – في تفسيره: ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله ؛ أن مشيئة الله ستقسم له الهدى وتؤتيه الحكمة ، وتمنحه ذلك الخير الكثير .
إن أمام الإنسان طريقين اثنين لا ثالث لهما : طريق الله ، وطريق الشيطان ، أن يستمع إلى وعد الله ، أو أن يستمع إلى وعد الشيطان ، ومن لا يسير في طريق الله ويسمع وعده ،فهو سائر في طريق الشيطان ومتبع وعده ، ليس هنالك إلا منهج واحد هو الحق، المنهج الذي شرعه الله ،وما عداه فهو للشيطان ومن الشيطان ،
هذه الحقيقة يقررها القرآن الكريم ويكررها ويؤكدها بكل مؤكد ، كي لا تبقى حجة لمن يريد أن ينحرف عن منهج الله، ثم يدعي الهدى والصواب في أي باب ، ليست هنالك شبهة ولا غشاوة ،الله ،أو الشيطان ،منهج الله ، أو منهج الشيطان ، طريق الله ،أو طريق الشيطان ،ولمن شاء أن يختار " لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ "{الأنفال:42} لا شبهة ،ولا غبش ،ولا غشاوة ،وإنما هو الهدى أو الضلال،وهو الحق واحد لا يتعدد ، "فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ"؟!{يونس:32}.(11)

(16)اتباع رضوان الله :
لقوله تعالى:" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)"{المائدة:15-16}

يقول العلامة السعدي –رحمه الله- في "تفسيره": لما ذكر تعالى ما أخذه الله على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأنهم نقضوا ذلك إلا قليلًا منهم، أمرهم جميعًا أن يؤمنوا بمحمد  ، واحتج عليهم بآية قاطعة دالة على صحة نبوته، وهي: أنه بين لهم كثيرا مما يُخْفُون عن الناس، حتى عن العوام من أهل ملتهم، فإذا كانوا هم المشار إليهم في العلم ولا علم عند أحد في ذلك الوقت إلا ما عندهم، فالحريص على العلم لا سبيل له إلى إدراكه إلا منهم، فإتيان الرسول 
بهذا القرآن العظيم الذي بيَّن به ما كانوا يتكاتمونه بينهم، وهو أُمِّيّ لا يقرأ ولا يكتب - من أدل الدلائل على القطع برسالته، وذلك مثل صفة محمد في كتبهم، ووجود البشائر به في كتبهم، وبيان آية الرجم ونحو ذلك.
" وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " أي: يترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة.
" قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ " وهو القرآن، يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة.
" وَكِتَابٌ مُّبِينٌ " لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية.
ثم ذكر مَنْ الذي يهتدي بهذا القرآن، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك، فقال: " يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ " أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنًا -سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالًا وتفصيلًا.
" وَيُخْرِجُهُم مِّن " ظلمات الكفر والبدعة والمعصية والجهل والغفلة، إلى نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم والذكر. وكل هذه الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. " وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " .

(17)ارتباط الهداية بالصبر على البلاء وحسن التوكل على الله :
لقوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ(154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157){البقرة:153-157}

شرح الكلمات:
الاستعانة : طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.
الصبر : حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره.
الشعور : الإحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.
الابتلاء : الاختبار والامتحان لإظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف.
الأموال : جمع مال وقد يكون ناطقًا وهو المواشي، ويكون صامتًا وهو النقدان وغيرها.
المصيبة : ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله.
الصلوات : جمع صلاة وهي من الله تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها.
ورحمة : الرحمة: الإنعام وهو جلب ما يسر، ودفع ما يضر، وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة من النار.
المهتدون : إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك.
معنى الآيات:
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين وهم أهل ملة الإسلام المسلمون ليرشدهم إلى ما يكون عوناً لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم، وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا " أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر والشكر، وترك النسيان والكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة، وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة، فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته وهذا ما تضمنته الآية الأولى(153). أما الآية الثانية(154) فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين أن من قتل في سبيل الله إذ هو حي في البرزخ وليس بميت، بل هو حي يرزق في الجنة كما قال : " « أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ ".(12) .فلذا لا يقال لمن قُتل في سبيل الله: مات ،ولكن استشهد ،وهو شهيد وحي عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها بمفارقتها للحياة في هذه الدار. (13)
وأما الآية الثالثة(155) فإنه يُقسم تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم بشيء من الخوف بواسطة أعداءه وأعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع لحصار العدو ولغيره من الأسباب، وبنقص الأموال الماشية للحرب والقحط، وبالأنفس؛ كموت الرجال، وبفساد الثمار بالجوائح، كل ذلك لإظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره، ثم أمره رسوله بأن يبشر الصابرين، وبين في الآية الرابعة(156) حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله، فله أن يصيبنا بما شاء لأن ملكه وعبيده، وإن إليه راجعون بالموت، فلا جزع إذاً ولكن تسليم لحكمه ورضًا بقضائه وقدره، وفي الآية الخامسة(157) أخبر تعالى مبشراً أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم وبرحمة من ربهم، وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم، فقال: "أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" .

من هداية الآيات:
1- فضيلة الصبر والأمر به والاستعانة بالصبر والصلاة على المصائب والتكاليف في الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
2- فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة.
3- قد يبتلى المؤمن بالمصائب في النفس والأهل والمال فيصبر فترتفع درجته ويعلو مقامه عند ربه.
4- فضيلة الاسترجاع عند المصيبة وهو قول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ ،وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ،اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ،وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "(11)
وقال تعالى:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)"{التغابن:11}
يقول الإمام ابن كثير-رحمه الله- في " تفسيره " : يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا " {الحديد : 22} وهكذا قال هاهنا: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ " قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته.
" وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ " يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا " {الحديد : 22} وهكذا قال هاهنا: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته.
:" وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ " يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال تعالى:" وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا"{الفرقان:30} .
ويقول العلامة السعدي – رحمه الله- في " تفسيره لقوله تعالى:" وَقَالَ الرَّسُولُ " مناديًا لربه وشاكيًا له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفًا على ذلك منهم: " يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي " الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم، " اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " أي: قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه، قال الله مسليًا لرسوله ومخبرًا أن هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ " أي: من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل.
من بعض فوائد ذلك: أن يعلو الحق على الباطل ،وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحًا عظيمًا لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحًا وبيانًا وكمال استدلال ،وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة، وبأهل الباطل من العقوبة، فلا تحزن عليهم ،ولا تذهب نفسك عليهم حسرات " وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا " يهديك، فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك. " وَنَصِيرًا " ينصرك على أعدائك ،ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا، فاكتف به وتوكل عليه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)البخاري(1358)،ومسلم(2658)،وأحمد(7181)،وأبو داود(4714)،والترمذي(2138)عن أبي هريرة.
(2)مسلم(2658).
(3)البخاري(34)،ومسلم(106) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
(4)" مدارج السالكين"للإمام ابن القيم
(5) البخاري (52) ، ومسلم ( 1599)، واللفظ له .
(6)مسلم(2564)،وأحمد (7814، 10973)، وابن ماجة(4143)،وابن حبان في " صحيحه"(394).
(7)مسلم(144)،وأحمد في "المسند"(23328) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
(8)البخاري(6064)،ومسلم(2564)واللفظ له.
(9)صحيح:رواه أحمد (17190)عن العرباض بن سارية،وصححه الألباني في" السلسلة الصحيحة(1545،1546).
(10)صحيح:رواه أحمد(1997) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير طليق بن قيس، وأبو داود(1510)،وابن ماجة(3830)وصححه الألباني.
(11)"في ظلال القرآن"للسيد سابق (البقرة:261).
(12)مسلم(1887)،والترمذي(3011)،وابن ماجة( 2801)عن ابن مسعود رضي الله عنه .
(13)لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات، بمعنى انقطعت عنه الحياة والشهيد لم يمت وإنما انتقل من حياة ناقصة إلى حياة كاملة دائمة، كما أن لفظ الموت مفزع للإنسان فإذا دارت المعركة وسقط الشهداء، وقيل: مات فلان وفلان يؤثر ذلك في نفس من سمع كلمة: الموت، ولذا لا يقال: مات، ولكن: استشهد.
(14)مسلم(918)،وأحمد(26677) ،وأبو داود(3119)عن أم سلمة رضي الله عنها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عامر
عضو جديد
عضو جديد



عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 17/03/2013

موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Empty
مُساهمةموضوع: المقالة الثالثة " أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم"(3)   موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Emptyالإثنين مايو 27, 2013 4:59 am

المقالة الثالثة
(18)أن يفعل العبد ما يُوعظ به :
لقوله تعالى:"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68){النساء:66-68}
يقول العلامة السعدي – رحمه الله :يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه.
ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.
ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:
(أحدها) الخيرية في قوله: { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
الثاني: حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
الثالث: قوله: "وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا " أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الرابع: الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

ولقوله تعالى:"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18){الزمر:17}
ويقول محمد على الصابوني في "تفسيره" ": فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ" أي فبشر عبادي المتقين ، الذين يستمعون الحديث والكلام ، فيتبعون أحسن ما فيه ، قال ابن عباس : هو الرجل يسمع الحسن والقبيح ، فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به . . وهذا ثناء من الله تعالى عليهم بنفوذ بصائرهم ، وتمييزهم الأحسن من الكلام ، فإذا سمعوا قولًا تبصروه ، وعملوا بما فيه ، وأحسن الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وإنما وضع الظاهر .
"أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ " أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة ، هم الذين هداهم الله لما يرضاه ، ووفقهم لنيل رضاه.
"وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ "أي وأولئك هم أصحاب العقول السليمة ، والفطر المستقيمة.
وقوله تعالى:"إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)"{الأنعام:36}

(19)لزوم جماعة المسلمين:
قال تعالى:"وَأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ"{الأنعام:153}
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ? في قوله: " وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" ، وفي قوله: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .ونحو هذا قاله مجاهد، وغير واحد.

وقوله تعالى: "وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" {النحل:9} .
يعلق الشاطبي رحمه الله تعالى على هذه الآية فيقول: "فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق أي: عادل عنه، وهي طرق البدع والضلالات، أعاذنا الله من سلوكها بفضله- وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي...
عن التستري: (قصد السبيل): طريق السنة. "ومنها جائر" يعني
إلى النار، وذلك الملل والبدع.
وعن مجاهد: "قصد السبيل" أي: المقتصد منها بين الغلو والتقصير وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر، وكلاهما من أوصاف البدع ". أهـ.(1)
وقوله تعالى :"شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " .

هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.
ولهذا قال: " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ " أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ،ولا تعاونون على الإثم والعدوان. " وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابًا، وتكونون شيعًا يعادي بعضكم بعضًا مع اتفاقكم على أصل دينكم.
ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج ،والأعياد، والجمع ،والصلوات الخمس ،والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها ،وعدم التفرق.

وعن بن عباس عن عمر رضي الله عنه أنه قال ذلك، قال الله : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" {الإسراء:36} هدانا وإياكم الصراط المستقيم ،وجنبنا الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.(2)

(20)الدعاء بالهداية والثبات على الدين والتعوذ من الفتن :
عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيّ  فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :« يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ،يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ ،فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ...."الحديث (3)
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ  كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى ، وَالتُّقَى ، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى " .(4)

وَعَنْ عَلِىٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :" قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ ".(5)

وقال الإمام النووي في شرحه :" أما "السداد" هنا بفتح السين وسداد السهم تقويمه .ومعنى:" سددني" وفقني واجعلني منتصبًا في جميع أموري مستقيمًا .وأصل السداد :الاستقامة والقصد في الأمور .
وأما الهدى هنا: فهو الرشاد ،ويذكر ويؤنث .
ومعنى:" وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ " أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين ،لأن هادى الطريق لا يزيغ عنه ،ومسدد السهم يحرص على تقويمه ،ولا يستقيم رميه حتى يقومه ،وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه ،ولزومه السنة .
وقيل: ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى، لئلا ينساه. (6)

وعن شَهْرِ بن حَوشَبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ :كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ:" يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ :"يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَ:" يَا أُمَّ سَلَمَةَ !إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ ،وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ" فَتَلَا مُعَاذٌ:" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا {آل عمران:8}.".(7)
في هذا الحديث : خضوع منه لربه وتضرعٌ إليه ، وإرشاد الأمة إلى سؤال ذلك ، وإيماء إلى أن العبرة بالخاتمة .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ  يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، تَخَافُ عَلَيْنَا ، وَقَدْ آمَنَّا بِكَ ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُقَلِّبُهَا. وَأَشَارَ الأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ.(8)

وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:" مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ ،وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ" وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ:" يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ" قَالَ:" وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ ،يَرْفَعُ أَقْوَامًا ، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "(9)

وعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُولُ :«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلِّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبِ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفَهُ حَيْثُ يَشَاءُ». ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ:«اللَّهُمَّ! مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».(10)

ولما كان قلب رسول الله خير قلوب العباد جعله الله إمام الأنبياء ،وسيد ولد آدم أجمعين ، وأرسله سبحانه رحمة للعالمين،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ  خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ  فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ"(11)

وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ، قالت: قَالَ النَّبِيُّ : " إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ مِنْكُمْ ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي . فَيُقال : هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ، وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ". فَكَانَ ابْنُ أبيِ مُلَيْكَةَ يََقُول: اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.(12)

مواضع الدعاء بالهداية :
عند إسلام المرء :
عن أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ  الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي ».(13)
دعاءه لربه في تهجده بالليل أنه يهديه للحق وأحسن الأخلاق :
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ نَبِيُّ الله إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ : ((اللهمَّ رَبَّ جَبْرَيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )).(14)
وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِمَا كَانَ رَسُول اللَّهِ  يَسْتَفْتِحُ قِيَامَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ ،كَانَ رَسُول اللَّهِ يُكَبِّرُ عَشْرًا ،وَيَحْمَدُ عَشْرًا ،وَيُسَبِّحُ عَشْرًا ،وَيُهَلِّلُ عَشْرًا ،وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا ،وَيَقُولُ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (15)

وكان النبي يدعو في الاستفتاح للصلاة ومنه قوله : "وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ ، وَلا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ، وَلا يَصْرِفُ عَنْ سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ . . ."الحديث (16)

ولقوله : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وخَطايايَ كُلَّها ، اللَّهُمَّ أنْعِشْنِي واجْبُرْنِي ، واهْدِني لِصالِحِ الأَعْمالِ والأَخْلاقِ، فإنَّهُ لا يَهْدِي لِصالِحِها ولا يَصْرِفُ سَيِّئَها إلاَّ أنْتَ ".(17)

استجابة الله تعالى لعبده لما سأله الهداية في فاتحة الكتاب في الصلاة :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيَّ قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْيَ خِدَاجٌ - ثَلاَثًا - غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ :"
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ". قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ:"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ". قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ :"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ". قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ».(18)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ  فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا ،فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. قَالَ:" قُلْ :سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ،وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لِي؟ قَالَ:" قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ،وَارْزُقْنِي ،وَعَافِنِي ،وَاهْدِنِي "فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنْ الْخَيْرِ".(19)
ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله -ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب ،علم الله عباده كيفية سؤاله ،وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ،ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم .فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم ،توسل إليه بأسمائه وصفاته ،وتوسل إليه بعبوديته ،وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء ،ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم ،اللذين رواهما ابن حبان في "صحيحه" ،والإمام أحمد ،والترمذي.
أحدهما: حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ  رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ ،الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ ،الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ،وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".(20) فهذا توسل إلى الله بتوحيده ،وشهادة الداعي له بالوحدانية ،وثبوت صفاته المدلول عليها باسم الصمد ،وهو كما قال ابن عباس: العالم الذي كمل علمه ،القادر الذي كملت قدرته. وفي رواية عنه: هو السيد الذي قد كمل فيه جميع أنواع السؤدد. وقال أبو وائل :هو السيد الذي انتهى سؤوده .
وقال سعيد بن جبير: هو الكامل في جميع صفاته ،وأفعاله ،وأقواله ،وبنفي التشبيه والتمثيل عنه بقوله :"ولم يكن له كفوًا أحد" .
وهذه ترجمة عقيدة أهل السنة ،والتوسل بالإيمان بذلك ،والشهادة به هو الاسم الأعظم
والثاني :حديث أَنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ  سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ،وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانَ ، بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ،يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ :" لَقَدْ سَأَلْ اللَّهَ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" .(21) فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته.
وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين ،وهما التوسل بالحمد والثناء عليه ،وتمجيده ،والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب -وهو الهداية -بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة
ونظير هذا دعاء النبي الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل، رواه البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس:" اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ،وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ،وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ ،وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ،َقَوْلُكَ الْحَقُّ ،وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ ،وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ،وَالنَّارُ حَقٌّ ،وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ،وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ،وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،وَبِكَ خَاصَمْتُ ،وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ(22)
فذكر التوسل إليه بحمده ،والثناء عليه ،وبعبوديته له ،ثم سأله المغفرة.(23)

الدعاء بالهداية ما بين السجدتين :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ  كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي.(24)
وفي رواية أبي داود أَنَّه كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي.


الدعاء بالهداية في قنوت الوتر:
عَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ رضي الله عنهما عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ  كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ :« اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ،وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ،وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ،وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ،وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ،إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ،وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ،وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ،تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ».(25)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ  يَدْعُو « رَبِّ أَعِنِّى وَلاَ تُعِنْ عَلَىَّ وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَىَّ وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَىَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَاي إِلَىَّ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَىَّ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ ذَاكِرًا لَكَ رَاهِبًا لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي ».(26)
وفي رواية ابن ماجة:قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيُّ قُلْتُ لِوَكِيعٍ: أَقُولُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْر؟ِقَالَ: نَعَمْ.

التعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن :
لقوله : « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا :نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ".(27)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله  كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ . اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بعزَّتِكَ ؛ لا إلهَ إلا أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ » . (28)

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا خَرَجَ النَّبِيُّ  مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَةُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ :«اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلْ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلْ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمْ ، أَوْ أَجَهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ».(29)
ومن دعاءه  إذا صلى على جنازة أن يقول :" . . . ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ ". (30)
وفي رواية :" اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ،وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ". (31)

(21)الصحبة الصالحة:
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:" مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ :إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ،وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"0(32)

يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: فِيهِ تَمْثِيله الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك ، وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير ، وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالْأَدَب ، وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع ، وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس ، أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته . وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاع الْمَذْمُومَة
وَمَعْنَى : " يُحْذِيَك" :يُعْطِيك ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالذَّال ، وَفِيهِ طَهَارَة الْمِسْك وَاسْتِحْبَابه ، وَجَوَاز بَيْعه ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَمِيع هَذَا ، وَلَمْ يُخَالِف فِيهِ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ ، وَنُقِلَ عَنْ الشِّيعَة نَجَاسَته وَالشِّيعَة لَا يُعْتَدّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاع وَمِنْ الدَّلَائِل عَلَى طَهَارَته الْإِجْمَاع وَهَذَا الْحَدِيث ، وَهُوَ قَوْله : " وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاع مِنْهُ " وَالنَّجَس لَا يَصِحّ بَيْعه . وَلِأَنَّهُ  كَانَ يَسْتَعْمِلهُ فِي بَدَنه وَرَأْسه ، وَيُصَلِّي بِهِ ، وَيُخْبِر أَنَّهُ أَطْيَب الطِّيب ، لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اِسْتِعْمَاله وَجَوَاز بَيْعه . قَالَ الْقَاضِي : وَمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَة الْعُمَرَيْنِ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَجَاسَته ، وَلَا صَحَّتْ الرِّوَايَة عَنْهُمَا بِالْكَرَاهَةِ ، بَلْ صَحَّتْ قِسْمَة عُمَر بْن الْخَطَّاب الْمِسْك عَلَى نِسَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر اِسْتِعْمَاله . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ».(33)
"الرَّجُلُ" يعني الإنسان " عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ " أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته "فَلْيَنْظُرْ "أي يتأمل ويتدبر " مَنْ يُخَالِلُ" فمن رضي دينه وخلقه خالهد ،ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة. (34)
وعَنْه رضي الله عنه بِحَدِيثٍ يَرْفَعُهُ قَالَ :« النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ،خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا ،وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ،فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ».(35)
(الأَرْوَاحُ) أي أرواح الإنسان (جُنُودٌ) جمع جند أي جموع (مُجَنَّدَةٌ ) بفتح النون المشددة أي مجتمعة متقابلة أو مختلطة منها حزب الله ومنها حزب الشيطان (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان (ائْتَلَفَ)أي حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) أي في عالم الأرواح (اخْتَلَفَ) أي في عالم الأشباح
قال النووي معنى قوله:" والأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ " جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة .
وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه .وقيل: إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها.
وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها ،فمن وافق بشيمه ألفه ،ومن باعده نافره وخالفه .
وقال الخطابي وغيره تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار انتهى.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ:" لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ".(36)
:" لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا "أي: كاملًا. أو المراد: النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين ،لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن جنس المؤمنين "وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ" أي متورع.
والأكل وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام. فالمعنى: لا تطعم طعامك إلا تقيًا.
قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال:" ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا "ومعلوم أن أسراهم كانوا كفارًا غير مؤمنين ولا أتقياء. وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي ،وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ،فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب.

وقال تعالى :"فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)"{الصافات:50-61}
يقول فضيلة الشيخ /أبو بكر الجزائري – في " أيسر التفاسير"
شرح الكلمات:
فأقبل بعضهم على بعض : أي أقبل أهل الجنة.
يتساءلون : عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها.
إني كان لي قرين : أي كان لي صاحب ينكر البعث الآخر.
يقول أئنك لمن المصدقين : أي يقول تبكيتًا لي وتوبيخاً أي بالبعث والجزاء.
أئنا لمدينون : أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكارًا وتكذيبًا.
هل أنتم مطلعون : أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب.
فاطلع فرآه في سواء الجحيم : أي في وسط النار.
تالله إن كدت لتردين : أي قال هذا تشميتاً به، ومعنى تردين تهلكني.
لكنت من المحضرين : أي المسوقين إلى جهنم المحضرين فيها.
أفما نحن بميتين : أمخلدون فما نحن بميتين، والاستفهام للتقرير أي نعم.
إلا موتتنا الأولى : التي ماتوها في الدنيا.
لمثل هذا فليعمل العاملون : أي لمثل هذا النعيم من الخلود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهم لبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إني كان لي في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وإنكاراً للبعث الآخر {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} أي بالبعث والجزاء على الأعمال في الدنيا. ويقول أيضًا مستبعدًا منكرًا " أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ " أي محاسبون ومجزيون. ثم قال ذلك القائل لبعض أهل مجلسه {هَلْ أَنْتُمْ(1) مُطَّلِعُونَ} أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها(2)، وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله {قَالَ تَاللَّهِ} أي والله {إِنْ كِدْتَ(3) لَتُرْدِينِ} أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا "وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي" عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له "أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى" والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم(4) مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم "لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى "لِمِثْلِ هَذَا " أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار "فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ" أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضًا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
2- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
3- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقليًا.
4- لا موت في الآخرة وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم.
5- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.

(22)الكعبة المشرفة:
لقوله تعالى:"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)"{آل عمران:96}

قال الإمام القاسمي- رحمه الله- في" محاسن التأويل" : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ " أي : لنسكهم وعباداتهم : " لَلَّذِي بِبَكَّةَ " أي : للبيت الذي ببكة ، أي : فيها . وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى .
وبكة لغة في مكة ، فإن العرب تعاقب بين الباء والميم كما في قولهم : ضربة لازب ولازم ، والنميط والنبيط في اسم موضع بالدهناء ، وقولهم أمر راتب وراتم وأغبطت الحمى وأغمطت .
وقيل : مكة البلد ، وبكة موضع المسجد ، سميت بذلك : لدقها أعناق الجبابرة ، فلم يقصدها جبار إلا قصمه الله تعالى ، أو لازدحام الناس بها من بكَّهُ إذا فرقه ووضعه وإذا زاحمه ، كما أن مكة من مكّهُ : أهلكه ونقصه ؛
لأنها تهلك من ظلم فيها وألحد ، وتنقص الذنوب أو تنفيها كما في القاموس - وقد ذهب بعضهم إلى أن مكة هي ميشا أو ماسا المذكورة في التوراة ، وآخر إلى أنه مأخوذ من اسم واحد من أولاد إسماعيل وهو مسّا " مُبَارَكاً " أي : كثير الخير ، لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف عنده وطاف حوله ، من الثواب وتكفير الذنوب : " وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " لأنه قبلتهم ومتعبدهم .
تنبيه :
ذكر بعض المفسرين أن المراد بالأولية كونه أولاً في الوضع والبناء ، ورووا في ذلك آثاراً ، منها أنه تعالى خلق هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرضيين ، ومنها : أنه تعالى بعث ملائكة لبناء بيت في الأرض على مثال البيت المعمور ، وذلك قبل خلق آدم ، ومنها : أنه أول بيت وضع على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، وأنه خلق قبل الأرض بألفي عام . وليس في هذه الآثار خبر صحيح يُعول عليه . والمتعين أن المراد : أول بيت وضع مسجداً ، كما بينته رواية ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه في هذه الآية قال : كانت البيوت قبله ، ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله تعالى . (37)وفي الصحيحين عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الأَقْصَى ، قُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". (38)
قال ابن القيم في " زاد المعاد " : وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به ، فقال : معلوم أن سليمان بن داود الذي بني المسجد الأقصى . وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام . وهذا من جهل القائل ، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه ، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم ، بعد بناء إبراهيم عليه السلام بهذا المقدار . انتهى .

(23)مخالفة أصحاب الجحيم من اليهود والنصارى وغيرهم :
وذلك لما أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقول في صلاتنا وخارجها : " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)"{الفاتحة:6-7}

وقد روى الترمذي وغيره عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله أنه قال : " اليهود مغضوب عليهم ، و النصارى ضالون ".(39)
وقال سفيان بن عيينة : كانوا يقولون : من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبهٌ من النصارى "

(24) استقامة اللسان:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ،فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ ،فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ،فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ،فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ،وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".(40)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ،وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"(41)
ـــــــــــــــــــ
(1)"الاعتصام" (1/ 78، 79)باختصار ت: سليم الهلالي.
(2)"خلق أفعال العباد"للإمام البخاري(230)
(3)مسلم( 2577 )،وأحمد(21458)،والترمذي(2495)،وابن ماجة(4257).
(4)مسلم (2721) ،وأحمد (3692،3950،)، ،والترمذي(3489)،وابن ماجة(3832).
(5) مسلم(2725) ،وأحمد(664) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
وأبو داود(4225).
(6)شرح النووي على صحيح مسلم (17/44) .
(7)صحيح :رواه الترمذي(3522) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4801)، وانظر "الصحيحة " (2091) .
(8)صحيح : رواه أحمد(12128) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم ،و الترمذي (2140) وقال : حديث حسن صحيح ، وابن ماجة(3834)،وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7987).
(9)صحيح:رواه أحمد(17667) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين ،وابن ماجة(199)وصححه الألباني في" صحيح الجامع " (7988).
(10) مسلم (2654) ،وأحمد (6569).
(11)حسن: رواه أحمد في"المسند"(3600) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.
(12) البخاري(6593)،ومسلم(2293).
(13)مسلم(2697)،وأحمد(15918) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
(14) مسلم (770)،وأبو داود(767)والترمذي(3420)،وابن ماجة(1357)،والنسائي(1625) .
(15)حسن صحيح:رواه أحمد في"المسند" (25145)قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حديث حسن ، ، وأبو داود(766، 5085)، والنسائي(1617،5535)، وابن ماجة(1356)وصححه الألباني.
(16) مسلم(771)،وأحمد(803)،وأبو داود(760) ،والترمذي(3421،3422)،والنسائي (897) عن علي بن أبي طالب.
(17) حسن :رواه الطبراني في"الكبير"وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (1266) .
(18) مسلم (395)،وأحمد(7289)،وأبو داود(821)،وابن ماجة(3784) .
(19)حسن: رواه أحمد في"المسند"(19161) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث حسن بطرقه ،وأبو داود(832)
،والنسائي(924)وحسنه الألباني، وابن حبان (1810)،قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن.
(20)صحيح:رواه أحمد(23002) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ، والترمذي (3475)وصححه الألباني.
(21)صحيح: رواه أحمد في" المسند (12226) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح،والترمذي(3544)،والنسائي
(1300)وصححه الألباني.
(22)البخاري(1120،7499)،ومسلم(769).
(23)"مدارج السالكين"للإمام ابن القيم –رحمه الله-ط.دار التقوى-مصر-(ص:20-21)
(24)حسن :رواه أحمد في"المسند"(3514) تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين غير كامل
،وأبو داود(850) ، والترمذي(284) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي ،و "مشكاة المصابيح "(900)وحسنه الألباني .
(25)صحيح :رواه أحمد في" المسند (1718) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات ،وأبو داود(1425)،وابن ماجة(1178)،وابن حبان في" صحيحه(722،945)
الشرح: ( رب أعني ) أي على الأعداء . ( ولا تعن علي ) أي لا تعن الأعداء علي .
( وامكر لي ) مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه . وقيل هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة
( رهابًا لك ) أي خوافًا خاشعًا .
( مخبًتا ) من الإخبات وهو الخشوع والتواضع
( أواهًا ) أي متضرعا وقيل بكاء .
( منيبًا ) من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة
( حوبتي ) أي إثمي . ( و اسلل ) أي انزع . ( السخيمة ) الحقد .
(26)صحيح: رواه أحمد في" المسند"(1997) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير طليق بن قيس ، وأبو داود(1510)،والترمذي(3551)،وابن ماجة(3830)،وابن حبان(948)،وصححه الألباني.
(27)مسلم (2867)،وأحمد(21701)عن زيد بن ثابت رضي الله عنه .
(28) البخاري (1120) ،ومسلم (2717)، واللفظ له ،عن ابن عباس رضي الله عنه .
(29) صحيح :رواه أبو داود (5094)،والترمذي(3427)،ابن ماجة( 3884 )،والنسائي(5486)، وصححه الألباني في "المشكاة " (2442).
(30)صحيح : رواه أبو داود(3201) ، ابن ماجة(1498) ، وصححه الألباني – رحمه الله – في " صحيح ابن ماجة (1217) ، و" المشكاة (1675) عن أبي هريرة .
(31)صحيح :رواه أحمد(8795) تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد ضعيف لضعف أيوب بن عتبة لكنه قد توبع وباقي رجاله ثقات ،والترمذي(1024)،وأبي يعلي في"مسنده"(6598) قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح ،وابن حبان(3073) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
(32)لبخاري(5534)،ومسلم(2628)،وأحمد(190640).
(33)حسن: رواه أحمد في"المسند"(8015،8398) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد ،وأبو داود (4833)، والترمذي(2378)0وحسنه الألباني.
(34)"عون المعبود شرح سنن أبي داود"للمؤلف : محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب ،الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت.
(35)رواه مسلم(2638)،وأحمد(10969)،وأبو داود(4834)،وابن حبان في "صحيحه)(6168).
(36)حسن:رواه أحمد في"المسند(11355) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ،وأبو داود في"سننه"(4832)،والترمذي في "سننه"(2395)وحسنه الألباني.
(37)"محاسن التأويل"للإمام محمد جمال الدين القاسمي
(38)البخاري(3366)،ومسلم(520).
(39)حسن:رواه الترمذي(2953،2954)وحسنه الألباني،وذكره ابن حجر في (8/9/ الفتح ) ط. الريان.
(40)حسن: رواه أحمد في " المسند" (11927) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ،والترمذي(2407)،وأبو نعيم في"الحلية" والبيهقي في"شعب الإيمان"(وأبو يعلى في" مسنده"(1185)،وعبد بن حميد في"مسنده"(979).
(41)رواه أحمد في" المسند" (13071) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف ، و" البيهقي في" شعب الإيمان"(8)عن الحسن عن بعض أصحابه، وابن أبي الدنيا في "الصمت"وحسنه الألباني في" السلسلة الصحيحة"(2841)،و" صحيح الترغيب والترهيب" (2554،2865).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله وتوفيقه
وجزاكم الله خيرًا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abou_rachid
العضو الفعال
العضو الفعال
abou_rachid


عدد المساهمات : 119
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 55

موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3)   موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3) Emptyالإثنين مايو 27, 2013 5:41 pm

يعطيك الف عافية اخوي :روعة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://forsanelhaq.com/
 
موضوع يهم كل مسلم" أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم(1-3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل انت مسلم حقيقي ام انك مسلم مزيف ؟
» انت مسلم نعم انت مسلم
» مسلم.......مسلم......مسلم
» خواطر شاب مسلم
» رسالة يهودي الى مسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور اليقين اسلامي تربوي  :: القسم الإسلامي :: تزكية الأنفس-
انتقل الى: