بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه، ونستغفره, ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا , من يهدهِ اللهُ فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهدُ أن لا اله إلا الله وحدهُ لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [سورة: آل عمران:102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب الآية: 70, 71]
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار, أما بعد:
هذه الخطبةُ عنوانها:
( نفائسُ المنّة لمتّبع السنة )
يقول في كتابه الكريم مخاطباً نبيه: ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ [النساء الآية: 113]
فربُنا أخبر أن فضله عظيم على نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام , وهكذا فضل الله عظيم على مُتبعِ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا يقول ربُنا: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة: النور الآية: 21]،
ويقول: ﴿ َلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [سورة: النساء الآية: 83]، ففضل الله على المؤمن عظيم يزيده هُدى, ويُكمل له التُقى، وكمال التوفيق منه سبحانه وتعالى, فربُ العالمين يختص من يشاء بإتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام ،ويصطفي من يشاء لهذه الوظيفة العظمى, ولهذه العبودية الكبرى , لهذا أيها الإخوة ,
إن منّة الله عظيمة وفضل الله واسع على من يتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام , يقول العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى , الذين أعلنوا ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام , لهم نصيب ٌ من قوله تعالى:﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك﴾فإن الله قد منّ على رسوله بالسعادة الدنيوية والأخروية , ومتّبعوه ينالون من السعادة ِ بقدر ما يتّبعون , وقال أيضاً في فمن اتّبع الرسول عليه الصلاة والسلام إتّباعاً مطلقا اعُطيى , اعُطيى الكرامة العامة ومن اتّبعه إتّباعاً ناقصاً فبقدر ما يتّبع , فهنيئاً لمن وطّن نفسه على أن يكون محمديا , على أن يكون محمديا , ربُنا يخبرنا عن خليلهِ إبراهيم ، قال : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ رَبّ إِنّهُنّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مّنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي﴾ سورة: إبراهيم - الآية: 35 ، 36 ،
انظروا إلي عظيم الإتّباع والي عظيم الشرف فيه ﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي ﴾، أنت عند أن تتبع رسولك تصيرُ من رسولك , تصيرُ من رسولك عليه الصلاة والسلام وعند أن تترك الإتّباع تُفارق رسولك عليه الصلاة والسلام , وها هو ربُنا يخبرنا متحدثاً عن , عن عيسى عليه السلام وعن أتباعه ، قال﴿ وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ سورة: آل عمران - الآية: 55 ، قال العلماء فوقهم بالنصر والغلبة , فالمتّبعون للأنبياء والرسل دائما وبإذن رب العالمين الغلبةُ لهم على الأعداء والنصر من الله لهم والتمكين في الأرض لهم من الله إن كانوا صادقين في الإتّباع وإن كانوا ثابتين عليه, وهكذا أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام من هذه الأمة، قال ربُ العالمين في كتابه ﴿ يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ ، يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ سورة: الأنفال - الآية: 64 ، أي الله يكفيك ويكفي أتباعك , من شر كلِ ذي شر, فأتباع الرسول لهم من الكفاية الإلهية , بقدر ما يتّبعون , الرسول r, فمن اتّبع رسول الله إتّباعاً ناقصا كانت كفايته من الله ناقصة , ومن اتّبع رسول الله إتّباعاً مطلقا يكفيه الله شر كلِ ذي شر بقدر ما يكون متّبعا ,
كذلك من عظيم العطايا ومن عظيم المنن التي يُكرم الله بها من يتّبع رسوله عليه الصلاة والسلام ، ما قال في كتابه الكريم ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ سورة: آل عمران - الآية: 31 ، عطاءان المحبة والمغفرة ولا يقدر أحدٌ أن يغفر لأحدٍ , فالله هو المالك وهو المتفضل بمغفرة الذنوب , ولهذا انظروا أيها الناس إلي هذا العطاء الذي أعطى الله نبينا والصحابة , قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ سورة: التوبة - الآية: 117 ، فالصحابة المهاجرون والأنصار لمّا اتّبعوا الرسول في وقت الشدائد , في وقت الشدائد الله غفر لهم مغفرة تامة لأنهم اتّبعوا رسول الله إتّباعاً عاماً فغفر الله لهم مغفرةً عامة ،
والتوبة من رب العالمين أنه يقبل أعمال العبد ويُثيبه عليها ويكفر من سيئاته, والمحبةُ من اللهِ لك إن كنت متّبعاً ، قال بعض السلف : ليس الشأن أن تُحب الله فإنك فقيرٌ إليه ومحتاج إليه ، وهو المتفضل عليك وهو المعطي , المعطي لك والمدبر لكل أمورك , ولكن الشأن أن يحبك الله , إن احبك الله فهذا أعظم إكرامٍ وإنعام عليك , ينعم عليك في هذه الدنيا به ، أن يحبك وأنت العبد الفقير وأنت العبد الجاني وأنت العبد المفرط وأنت العبد المخطئ , ولكن محبته لك يوم أن تتوجه بقلبك وقالبك إلي إتّباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام مقدماً ذلك على كل شؤونك وعلى كلِ مصالحك الشخصية وعلى كلِ أمورك الدنيوية.
كذلك أيضا من المنن الإلهية على المتّبعين للسنة المحمدية النبوية ، أن الله عز وجل يُكرم هذا الصنف, بالرحمة الخاصة , وكذلك المعية الخاصة ، قال ربُ العالمين في كتابه الكريم﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ﴾ سورة: التوبة - الآية: 71 ، فالذين يخصون بالرحمة، والذين تعظم الرحمة من الله عليهم ، أولئك الذين اتّبعوه ولم يفارقوه وقال الله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ، لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ سورة: آل عمران - الآية: 132 ،
ومن ذا الذي يستغني عن رحمة الله طرفة عينٍ, كذلك أيضا من إتباع السلف ما قاله بعض السلف: من أمّر السنة على نفسه نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى نطق بالبدعة ، قال الله: ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ سورة: النور - الآية: 54, فلا هداية إلا بطاعته في السراء والضراء وفي الأحوال كلها.
فاحذروا أيها الناس أن تُفارقوا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولتنظروا إلي حال المؤمن المتّبع عند الموت وما بعد الموت, فمن أدركه الموت وهو على السنة المحمدية فليبشر بكل خير , جاء عن عبد الله ابنُ المبارك أنه قال : الموت كرامةٌ لكل مسلم يموت على السنة , لكن الموت نِقمة من الله على من يموت وهو في معصية الله أو هو واقع في بدعةٍ أو في انحراف , فالموت عليه نِقمة وأخذُ اللهِ له من باب النِقمةِ ومن باب الإسراع به إلى العذاب , عياذاً بالله , وقال ابنُ عون رحمه الله تعالى: من مات على السنة يعني ما غيّر ولا بدل لا ابتدع ولا تحزب ولا نصر العادات المخالفة للشرع , وإنما نصر منهاج النبوة ومن اجله , ومن اجله صبر وثبت وتحّمل, فله بشير بكل خير ، تبشره ملائكة الرحمة ابشر بالقدوم على الله على الكريم الرحيم ، فهنيئاً لك يوم أن تلقى الله عز وجل بوجهٍ ابيض , أما من لقي الله مغيراً مبدلا أحوالٌ سيئة وعواقب وخيمة عياذاً بالله ,
ولتسمعوا أيضاً إلى حال المتّبعين لرسول الله وهم في قبورهم , جاء من حديث أسماء رضي الله تعالى عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام تحّدث عن افتتان الأمة في القبور , فقال الرسول عليه الصلاة والسلام " فأما الموقن فيقال له ماذا تقول في هذا الرجل ، يعني الرسول , ماذا تقول في هذا الرجل ، قال فيقول جاءنا بالبينات والهُدى فآمنا به واتّبعناه ، أمران اثنان , آمنا واتّبعنا ، فهُنالك من آمن ولم يتّبع الإتّباع المشروع وإنما جعل سنة الرسول عليه الصلاة والسلام على ما يريد وعلى ما يهوى فما وافقه , فما وافقه اخذ به وما خالف هواه رفضه ورد هذا متّبعٌ لهواه وليس متّبعاً لمنهاج النبوة ، فهذا الذي كان متّبعاً في الدنيا بماذا يُبشّر , قال عليه الصلاة والسلام " فيقول آمنا به واتّبعناه فيُقال له نم صالحا نم آمنا "
فانظروا إلي الفارق بين المتّبع وغير المتّبع , فالمتّبع في قبره في نعيم وفي أمان , والمبتدع والمخالف والمنحرف في قبره في جحيم عياذاً بالله .
أيها المسلمون هل تريدون أن تفوزوا بالدنيا والأخرى , هل تريدون سعادة الدنيا والأخرى , فلا يكون ذلك ولا يتحقق ذلك إلا بإتّباع إمامِ المتقين وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام , وبدون ذلك لا يتحقق لك , قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: طاعة الله وطاعة رسوله قطبُ السعادة , قطبُ السعادة الذي عليه تدور ومستقر النجاة الذي عنه لا تحور , نعم أيها الناس إن أردتم السعادة الأبدية الدنيوية والأخروية فكونوا مع رسول الله الذي جاءنا بالهُدى وبكلِ خيرٍ وحذّرنا من كل ِ شرٍ , استغفر الله انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
أيها الإخوة , الأمرُ العصيب هو يوم القيامة , فلينظر كلٌ منا حاله في ذلك اليوم , في ذلك اليوم يُعز المرءُ أو يُهان ، عزاً أبدياً أو إهانةً أبدية , في ذلك اليوم العصيب , يظهر الشخص على ما كان عليه في هذه الحياة بحقيقته فلا مجال للمغالطة ولا بقيى مجال للادعاءات ، وإنما ينال الشخص ويجتني ما اكتسبته يداه.
لنسمع إلى حال المتّبعين في يوم القيامة وترون أن حالهم حال كريم يقول في كتابه الكريم ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ ﴾ سورة: النساء - الآية: 69 ، انظروا اُلحقوا بمن وأُرفقوا بمن، بأكرم الخلق على الله , المتّبعون يوم القيامة يكونون رُفقاء لرسولهم عليه الصلاة والسلام , كانوا معه في الدنيا , فكانوا معه في الآخرة والجزاء من جنس العمل , هل ترضى يوم القيامة أن يُفارق بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم هو الشفيع , بل له الشفاعة العظمى والشفاعات الخاصة ، وهو صاحب الحوض العظيم الذي تُكرم فيه أمته المتّبعة لسنته , وهو الذي يفتح الجنة فلا يفتحُها قبلهُ احد , وهو أول الداخلين وأتباعه أول الداخلين , آما تحب يوم القيامة في ذلك اليوم أن ، أن تُقبل عند الله وان تُقرب من رحمته ومن رسوله ومن مغفرته سبحانه وتعالى , آما تُحب هذا , هذا وعد الله الكريم لمن يطيع الله ورسوله .
إخواني جميعاً المسلمين على مختلف مراتبهم ، ما بين تجارٍ وما بين زّراعٍ وما بين جنودٍ وما بين قادةٍ وما بين عُلماءٍ ودُعاة ، أُبشرهم بهذا الحديث العظيم , روى الإمام البخاري ومسلم من حديث انس " أن رجلا قال يا رسول الله متى الساعة , قال وما أعددت لها , قال والله ما أعددتُ لها من كثرة صلاة ولا صيام ولكني أُحب الله ورسوله , يعني ما يكثر من صلاة النوافل ولا يكثر من صيام النوافل ، فهو يؤدي الفريضة ويعمل ما تيسر من النوافل ، فماذا قال له نبينا عليه الصلاة والسلام قال له " أنت مع من أحببت " هذا الرجل من الأعراب من سكان البوادي ومع هذا يبشره الرسول بإنه معه يوم القيامة مادام انه يحبه حب الإتّباع , فاحذروا حب الابتداع , لأن حب الابتداع حبٌ مزيف وحبٌ مرفوض ولكن حب الإتّباع ينتفعُ به صاحبه بإذن الله رب العالمين , فنبشرُ المسلمين عموماً بهذه البشارة , فلا تقبلوا يا عباد الله ما يُفارق بينكم وبين رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام من ذلك اليوم .
كذلك من أحوال المتبعين يوم القيامة ما قاله الله في كتابه الكريم ﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾ سورة: الإسراء - الآية: 71 ﴿ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ ، فيوم القيامة ينادى الناس يا أتباع فلان, من كان يتّبعُ مُجرماً أو ضالاً إمام ضلالة مبتدعاً أو داعٍ إلى المعاصي والفتن ، ومن كان يتّبع شخصاً ينادى يوم القيامة يا أتباع فلان كونوا مع فلان مع الذي اتّبعوهُ ، أما من اتّبع الرسول فيُنادى يوم القيامة يا أتباع محمد يا أتباع الرسول, خاتم الأنبياء والمرسلين ، فما أعظمها من بشارة يوم أن تُنادى بأنك من أتباع الرسول ، أتُحب أن تكون من أتباعِ من يؤخذون إلي النار ، فانتبه يا عبد الله المرءُ مع من أحب ، من أحب السحرة كان معهم ، ومن أحب الكفرة كان معهم ، ومن أحب المغنين كان معهم ، انظر من تصطفي في حبك وتعظيمك واحترامك وتكريمك ، فقد أُمرت بل فُرض علينا أن نحب رسول الله أعظم من حبنا لابناءِنا بل لأنفسنا ،
كذلك أيضاً من البشارات العظيمة يوم القيامة لأهل الإتباع أن الله عز وجل قال في كتابه الكريم ﴿ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نّصُوحاً عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ سورة: التحريم - الآية: 8 ، فالمؤمنون المتبعون مأمَّنون يوم القيامة من الخزي والفضائح ، أما من لم يتّبع فليس مؤمنناً بل يُفضح على رؤوس الأشهاد ، على رؤوس الأشهاد أن هذا المُراءِِ الذي ادعى الإتّباع وهو مُراءٍ ، بعض الناس إن وصل إلى المتّبع للرسول تظاهر بذلك ، وإن كان مع دعاة البدع تظاهر بذلك وصار دينه على حسب مطالب الناس وأهواء الناس ، هذا يُفضح يوم القيامة لأنه لم يكن صادقاً في أتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام , ربُنا قال ﴿ وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ ، ولم يقل والذين امنوا ، فالمؤمنون بالرسولِ كثير ، لكن المتّبعون قليل ،
فهل أنت من القليل ، فالقليل دائماً في باب الخير هم المُصطفون الأخيار فكن مع المتّبعين للرسول ولا يضرك كثرةُ الهالكين وكثرةُ البعيدين عن الإتّباع ، ولا يعني كلامي أننا نكفر المسلمين الذين لم يُتم لهم الإتّباع للرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن من لم يعتني ويهتم بأتّباع الرسول يُخشى عليه من عواقب وخيمة عياذاً بالله ، فهنيئاً للمتّبعين يوم القيامة ، هذا العلامةُ محمد ابن إبراهيم الوزير يقول :
ياحبذا يوم القيامةِ شهرةٍ * * * بين الخلائقِ في المقامِ الأحمديِ
بمحبةٍ سُنن الشفيعِ وإنني * * * فيها عصيتُ معنفٍ، ومفنديِ
فهو يفتخر بما سيكون له يوم القيامة ، في الدنيا يحارب في الدنيا يؤذى يغمز يلمز يقال له أنت متشدد أو أنت خرجت عن المذهب ، وخرجت عما نحنُ عليه ، هكذا طبيعة الناس الذين لم يرزقوا الإتّباع ، يحاربون من يتّبع الرسول إلا من رحمهُ الله ، فأنت بحاجة إلي أن توطّن نفسك من اجل أن تثبت على كل ما جاءك به رسُولك عليه الصلاة والسلام دون أن تخضع للناس ودون أن تخاف الناس ، ودون أن تستروح إلى ما يريده الناس ، انظر إلى حال المتّبعين في هذا اليوم العصيب ما أكرمهم على الله ، لأنهم أكرموا أنفسهم بإتباع الرسول بإتباع الكتاب والسنة.
نعم أيها الناس ، إذاً لابد أن نحرص على أن نقبل الدين كله الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام نقبله كان لنا أو علينا ، تعبنا أو لم نتعب ، قُبلنا عند الناس أو رفضنا الناس ، هذا حق وهذا دين قامت به السموات والأرض وهذا دين نزل به جبريل الأمين على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، أيُردُ من اجل أن يُطاع فلان ، أيُردُ من اجل أن يُقبل ضلال فلان وانحراف فلان جاء عند أبي نُعيم والبيهقي في المناقب وابن عساكر إن الإمام الشافعي رحمه الله قال إذا رأيتموني لا اعمل بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أي عاقل يختار أن يُفارق الرسول ولو لحظة واحدة وان يكون مع غيره ، آلا فلنتّعقل ولنتّنبه ولا نبقى نُجر وراء الفتن والمعاصي والانحرافات ، يا عبد الله كن ثابتاً كثبُوت الجبال الرواسي ، وهذا الحسن ابنُ الحسن من آل بيت النبوة ، يقولُ لشخصٍ رافضي ، حبّونا حب الإسلام وابغضونا إذا عصينا الله ، فوا الله لو كان حب آل بيت النبوة نافعاً لكانت قرابة الرسول أحق بالنجاة من غير طاعة ،
فالرسول ما نجا أبوه ولا أمه وهم من أقربائه وما نالوا النجاة لأنهم لم يُطيعوا الله ورسوله فبيننا وبين الله الطاعة ، بيننا وبين الله إننا عباده يأمر ونحن نأتمر ويزجر ونحن ننْزجر ويدعوا ونحن نستجيب ، ويخبر ونحن نصدق هذا بينك وبين الله وهذا عهد الله علينا الذي أخذهُ علينا أننا نكون هكذا ، فبعض الناس قد يلتصق بالصالحين ، ويظن أنهم ينفعونه يوم القيامة بغير تمسك وبغير هداية لا ، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لفاطمة بنته رضي الله عنها وهي سيدة نساء أهل الجنة ، يا فاطمة بنت محمد أنقذيِ نفسكِ فاني لا املك لك من الله شيئا ، ما قال لها يا فاطمة ثقي بي واركني واعتمدي علي ، فاعتمد على الله واصدق مع الله واخلص لله واثبت على الحق الذي جاء به الشرع ، وإنما يعظمُ الأجرُ والمثُوبة وتزيد الهداية من الله وتوفيق العبد عند أن يُدعى إلى ترك الحق فيثبت ويصبر ويتحمل ، يهون عليه أن يبدل من نفسه وأن يبدل من ماله ولا يهون عليه أن يضحي بشيء من دينه ، أما من كان كلما اشتدت عليه الأمور ضحى بدينه وأعطى الناس كذا من دينه ، فهذا سيخرج من دون دين ، سيخرج من الحياة بدون دين ، لان الناس لا يرضيهم إلا أن يطيعهم الشخص وان يرضيهم على ما هم عليه من الشر وعلى ما هم عليه من المخالفة.
أيها المسلمون، العصمة العصمةُ من الفتن ومن الضلال ومن الابتداع ومن التحزب ومن المعاصي أننا نتّبع كتاب ربنا وسنة رسولنا قال الله في كتابه الكريم ﴿ فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ﴾ سورة: طه - الآية: 123، فأنت في مأمن ، من الضلال والشقاء مادمت تتّبع كل أمر تكون متّبعاً فيه للحق ، إن كنت تجهل الحق تسأل أهل العلم وترجع إلى أهل العلم ، تسألهم أهذا الذي طُلب مني اهو مشروع أم ليس بمشروع ، إما أن تجعل نفسك مفتيا عند أن تأتي الشهوات والمصالح والملذات ، فهذا من أعظم الجرأة ، ومن أعظم التجاوزات في حق الله وفي حق دينه ، فلنحرص على أن نتعاون على نشر منهاج النبوة ، فندعو المسلمين إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في كل شؤونهم وأحوالهم ، في أرزاقهم في أمنهم واستقرارهم في دراستهم في اقتصادهم في عبادتهم في أمورهم كلها ، أن يكونوا متّبعين لا مبتدعين.
روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال " من دعا إلي هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء " وأنا وأنت بإمكاننا أن نكون دعاة إلي الهُدى بأفعالنا وأقوالنا والدين يسر فلو رأيت حراما فحذرت منه ودعوت إلى الحلال فأنت داعٍ إلى الهُدى ، لو رأيت تارك صلاة فدعوته إلي الصلاة فأنت داعٍ إلى الهُدى ولو رأيت من يسُب أو يسفك الدماء المحرمة فحذرته وأنذرته وبينت عواقب عمله فأنت داعٍ إلى الله ، فإنه من لم يدعُ الناس إلى الخيرِ دعاه الناس إلى الشر ومن لم يكن غيور على الحق صار غيوراً على الباطل ، ومن لم ينصر الحق نصر الباطل فهي سنة الله في خلقه.
تمت بحمد لله وفضله
قام بتفريغ المادة
أخوكم في الله مُحب السلف
أبو عبد الله السرتاوي الليبـي
غفر اللهُ لهُ ولوالديهِ وللمُسلمين
تم عرضها على الشيخ وأذن بنشرها في يوم الجمعة 27 / صفر /1428هـ
حقوق الطبع محفوظة إلا بإذن
منقول من موقع الشيخ الرسمي
__________________