ابن علي من قصر الرئاسة إلى مزبلة التاريخ!
الحمد لله القائل {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}آل عمران140، والقائل {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء}آل عمران26 ، والقائل {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا}الزخرف55
لم يدر في خَلَد أكثر الناس تفاؤلاً أن تطوى صفحة طاغية بحجم الرئيس السابق لتونس بمثل هذه السرعة، ووفقاً لهذا التسلسل الدرامي للأحداث فالرجل البوليسي ذو القبضة الفولاذية يتحول في ظرف أيام معدودات إلى مجرد "هرة!" نعم هرة ذليلة ترتجف من الخوف والهلع بعد أن أحاط به شانئوه من كل مكان، فأصبح قاب قوسين أو أدنى من أنياب جموع هائلة من المضطهدين تتربص به الدوائر، وتود لو لاكته بأسنانها، ومزقته بأظفارها فجعلته عبرة لكل طاغية مستبد !
الرئيس الهارب قدم لشعبه مسلسلاً دامياً عُرضت حلقاته الباكية خلال ثلاثة وعشرين عاماً منذ تسلم زمام الأمن التونسي عام 1407للهجرة وحتى يوم الفرار والخزي والعار,غداة الجمعة الحادي عشر من صفر لعام 1432هـ .
كان مسلسلاً دامياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالقتل والسحل والشنق، والسجن المؤبد بأشغاله الشاقة هي بعض حفاوة بن علي بشعبه المظلوم !!
لم تسلم منه العجائز ولا الفتيات ولا الأطفال والصبيان؛ ففي كل بيت من أنحاء تونس قصة مع جنود النظام وزوار الفجر وخفافيش الظلام !
السجناء السياسيون ضاقت بهم المعتقلات، والفارون بجلودهم إلى الخارج بعشرات الألوف، والذلة والهوان هما ثمن البقاء خارج القضبان، والسلامة من أعواد المشانق!
وبعبارة أخرى يجب أن يتجرع المواطن التونسي الأسى والحسرة، ويظل ذليلاً مهيناً حتى يُمكّن من البقاء طليقاً، وعن أعواد المشانق بعيداً !!!
المواطن العادي متهم حتى تثبت براءته ومجرم حتى يبرهن سلامته!
أمرٌ مذلٌ حقاً أن يبقى الإنسان مجرد دمية تتنفس بصعوبة, وقصارى أمانيه لقمة تسد جوعته أو شربة ماء تطفئ لهيب ظمئه !
هذا ما أراده النظام في تونس برئاسة بن علي وزبانيته وجلاديه لكل أبناء الشعب الشرفاء!!
ومن يطمع في أكثر من ذلك فمصيره القتل أو السجن، أو مغادرة البلاد سراً قبل أن يأسر ويقتل !!
هكذا أراد ابن علي لشعبه طيلة ثلاث وعشرين سنة من الحكم الديكتاتوري الأحمر فكانت جنائز الموتى سحلاً وكمداً غاديات رائحات!!
لم يكتف بن علي بكل هذا فكانت فتنة الصد عن سبيل الله هي الأسوأ في أفاعيل طاغية العصر، وفرعون الزمان، فمحاربة التدين وتجفيف منابع الفضيلة وملاحقة الركع السجود سمات بارزة، ومعالم ظاهرة في الشارع التونسي، ويعترف به كل المراقبين للشأن التونسي وحتى من لم يعرف بالحياد والإنصاف منهم !
الحجاب في نظر الطاغية علامة تخلف ورجعية، ومؤشر إرهاب وظلامية ومن ترتدي الحجاب فهي خطر على الأمن العام، ومستقبل النظام برمته!
تعدد الزوجات جريمة مروعة، والطلاق بلا إذن المحكمة جناية خطرة يحظره الدستور الملفق من زبالة القوانين الوضعية التافهة!
وأما اعتياد الصلاة في المساجد فأحد القطعيات الدالة على الانتماء إلى جماعات إرهابية أو معادية للنظام ناهيك عما يعنيه إعفاء اللحية من معان مثيرة للشك والريبة وكافية للإدانة وحشر صاحبها خلف قضبان القهر والكمد إلى أمد غير معروف!
لم يكن الطريد الشريد بن علي رئيس دولة في الواقع، وإنما كان ديكتاتورياً متسلطاً وجباراً غاشماً تولى زمام دولة لا ليقيم نظام حياة يشعر من خلاله المواطنون بكرامتهم والحرص على مستقبلهم والسعي لنهضتهم ... كلا لم يكن شيء من ذلك في بال السفاح الأثيم !
ولكنه اتخذ من منصبه المُغتصب وسيلة لبناء إمبراطورية من الثراء العريض والإثراء الفاحش من خلال النهب المنظم لثروات الشعب ومقدراته حتى تجاوزت معدلات البطالة كل الأرقام المعقولة وضرب الفقر بأطنابه في كل أجزاء تونس الخضراء طبيعة، السوداء قهراً وكمداً!
وفي الوقت الذي طمست كل معالم الاعتزاز بالدين، أو المجاهرة بالهوية الإسلامية في أوساط الشعب المقهور، والأمة المغيبة والمغربة كانت التسهيلات تقدم بالمجان لكل راغب في نشر إلحاده و فجوره، أو المتاجرة بالأعراض عبر ممارسة البغاء وعلب الليل!
أياً ما كان الأمر فحمداً لك اللهم وشكراً، أن جعلت للهم فرجاً وللضيق مخرجاً ومن البلاء عافية !
ومن هنا كان لزاما على الشعب التونسي الكريم أن يقطع الطريق على أعدائه من النظام السابق ، وكل من يرفع شعاراً غير الإسلام السلفي الواضح فلا يمكنهم من استلام سدة الحكم حتى لا تتكرر المأساة من جديد!
لا ينبغي أن ُيخدع المواطنون الذين قدموا دماءهم وأموالهم رخيصة لإزاحة الطاغية فيتورطون بحاكم مماثل فتتغير الُصور، وتبقى المضامين كما هي؛ فيعود الظلام ويتوارى الأمل إلى غير رجعة!
شعارات كثيرة سوف ترفع ومشاريع انتخابية متعددة سوف تطرح فلا مناص من رفضها كلها إلا الإسلام ببهائه وشموليته وعدالته، فإن لم يكن فقل على الحرية والعدل والكرامة والفضيلة ألف سلام!
أيها التونسيون الفرصة بين أيديكم على طبق من ذهب فأروا الله من أنفسكم خيرا، فلا يستخفنكم الذين لايوقنون!
اللهم نصرك الذي وعدت!