تعريف الحيل:
الحيل في اللغة: جمع حيلة، وهي اسم من الاحتيال.
ومعناها: " الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف في الأمور والتخلص من المعضلات.
قال ابن القيم: ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة .
وقال الشاطبي: حقيقتها المشهورة: تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال " حكم شرعي وتح وقال الشاطبي: حقيقتها المشهورة: تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال " حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر
اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بموضوع الحيل، فمنهم من أفرد " الحيل " بمؤلف مستقل ومنهم من جعله فصلاً أو باباً في تأليفه من بينهم : (البخاري _ ابن تيمية _ ابن القيم _ الامام الشاطبي _.............).
متى ظهرت الحيل ؟
لم تعرف الحيل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد صحابته الكرام - رضي الله عنهم - بل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقفل بابها بمثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة "رواه البخاري
وقال ابن القيم: " وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إنقاص الزكاة أو التنقيص منها بسبب الجمع أو التفريق , فإذا باع بعض النصاب قبل الحول تحيلا على إسقاط الزكاة أو التنقيص منها بسبب الجمع أو التفريق فقد فرق بين ا لمجتمع فلا تسقط الزكاة بالفرار منها.
ومثل لعنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمحلل والمحلل له.
وإذا رجعنا إلى القران الكريم نجد أن الله تعالى حذر منها بقوله تــــعالى " ولا تمنن تستكثر" (المدثر، 6)
ونقل القرطبي عن أبيه - رضي الله عنهما - وغيره أن معنى الآية " لا تعطي الهدية تلتمس بها أكثر منها ".
فالآية تدل على تحريم الهدية إذا قصد بها مهديها أخذ أكثر منها، وهي هدية الثواب، فاعتبر ذلك القصد حيلة للربا، أو أخذ أموال الناس بالباطل أي بالتحايل، إلا أن يكون على سبيل التبرع.
أما الصحابة - رضي الله عنهم - فكرهوا الحيل ونفروا منها، ونقل عن كثير منهم التحذير منها والقول ببطلانها.
وقد سار التابعون في هذا على سير الصحابة وكذلك من أتى بعدهم من تابعي التابعين وتابعيهم فقد أنكروا الحيل إنكاراً شديداً واشتد قولهم فيمن أفتى بجوازها.
فمتى ظهرت الحيل إذن ؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما الإفتاء بها وتعليمها للناس وإنفاذها في الحكم، واعتقاد جوازها فأول ما حدث في الإسلام في أواخر عصر صغار التابعين بعد المئة الأولى بسنين كثيرة، وليس فيها ولله الحمد حيلة واحدة تؤثر عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل المستفيض عن الصحابة أنهم كانوا إذا سُئلوا عن فعل شيء من ذلك أعظموا وزجروا عنه.
و أشار ابن القيم أن أكثرها من وضع ورّاقي بغداد , وقد سبقه لهذا الجوزجاني عندما أنكر نسبة كتاب الحيل لمحمد بن الحسن وقال: " من قال أن محمداً - رحمه الله - صنف كتاباً في الحيل فلا تصدقه، وما في أيدي الناس فإنما جمعه ورّاقُو بغداد.
الحنفية والحيل:
اشتهر الحنفية بالقول في الحيل واعتبارها إنهم أول من أفتى بها.
وأول مدونات عرفت في الحيل كانت لعلماء من الحنفية، وقد نقلوا عن أبى حنيفة عدة فتاوى استخدم فيها الحيلة لإخراج الـمـسـتـفتي من مآزق وقع فيه , والذي ساعد الإمام على هذا قوة ذكائه وحسن فهمه ودقة استنباطه مما جعله قادرًا على إيجاد مخارج شرعية، وإن كنا لا نستطيع أن نثق بكل ما يروا عنه.
ومما ينبغي التنبه له أن الإمام كان يطوع الواقع ليتوافق مع الشريعة ولم يكن يطوع الشريعة لتتوافق مع الواقع. كما أنه لم يكن يستخدمها إلا في حالات محدودة جدا , وربما لو علم بما أحدث بعده من توسع في الحيل ما أفتى بها أصلاً.
8- أقسام الحيل:
قسم ابن القيم الحيل إلى خمس أقسام تبعا للأحكام الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام.
فقال رحمه الله:" وإذا قسمت باعتبارها لغة انقسمت إلى الأحكام الخمسة فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على الحصول على المعقود عليه والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها، وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مورد التقسيم إلى مباح ومحظور، فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب وترك المحرم، وتخليص الحق ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم و إبطال الحقوق و إسقاط الواجبات "
إذن فحكم الحيلة يأخذ حكم مقصدها ووسيلتها، وان كان الأعم الأغلب استخدام في الشر.
9- أسباب الوقوع في الحيل:
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية سببين للوقوع بالحيل:
إما ذنوب وقعوا فيها فجوزوا عليها بتضييق أمورهم فلا يستطيعوا دفع هذا الضيق إلا بالحيل، كما جرى لأصحاب السبت من اليهود
وإما مبالغة في التشدد، حيث ضيقوا على أنفسهم أمورا وسعها الشرع فأخطرهم هذا الاستحلال بالحيل.
وهناك أسباب أخرى :
عدم الأيمان بالله واليوم الآخر ممن يديه ؟ ويتظاهر به أمام المؤمنين.
إتباع الهوى والبحث عن مصلحته بأي طريق كان.
الجهل بأحكام الشرع وعدم السؤال عما يحل ويحرم.
الخلط بين الحيل المباحة والحيل المحرمة والاستدلال بهذه على هذه.
- أدلة تحريم الحيل:
استدل العلماء على تحريم الحيل بأدلة منها:
قوله تعالى " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين " (سورة البقرة 65-66) وهؤلاء طائفة من اليهود ابتلاهم الله بأن حرم عليهم الصيد يوم السبت وأبقاه في بقية الأيام، وكان السمك يأتي يوم السبت كثيرا بعكس بقية الأيام فاحتالوا بحيلة ليحافظوا على السمك يوم السبت، ويصيدوه يوم الأحد بأن حفروا حفرا بجانب البحر فيدخلها السمك فلا يستطيعوا الخروج منها فإذا جاء يوم الأحد استخرجوها وأكلوها فمسخهم الله قردة وخنازير.
قوله تعالى: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين. ولا يستثنون. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون. فأصبحت كالصريم " (القلم، 17-20) فقد كان من عادة الفقراء أنهم يلتقطون ما تساقط من الثمر بعد حصاده فاتفقوا على أن يحصدوا بساتينهم في الليل حتى يحرمون الفقراء من حقهم القليل الذي فرضه الله تعالى لهم. فعاقبهم الله تعالى بإتلاف جنتهم وضياع أموالهم عقوبة لهم على احتيالهم لمنع الحق الذي كان للمساكين في مالهم.
قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المُحلِل والمُحَلل له) وسماه (التيس المستعار)
إذا طلق الزوج زوجته ثلاثاً حرمت عليه حتى تتزوج غيره زواجا حقيقيا عن رغبة فإذا حصل بينهما طلاق جاز رُجوعها إلى زوجها الأول وبعض الناس يحاول أن يحتال لتحله زوجته
فيتفق مع شخص على أن يتزوجها ويطلقا لترجع إلى زوجها الأول، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.
فهذا دليل على عظم هذا الجرم عند الله تعالى، لذلك استحق صاحبه العقوبة عليه بل زاد النبي صلى الله عليه وسلم فشبه صاحبه بوصف لا يليق بالآدمي تحقيرا لهذا الفعل ولفاعله.
نماذج من الحيل:
1- قد يرغب المورث أن يخص بعض الورثة بشيء من الميراث. ولا يستطيع لأن الوصية للوارث لا تجوز، فإما أن يبيعه بعقد صوري، أي يقــر له بدين في ذمته، أو يقول: كنت وهبت له هذا الماء في صحتي.
وهذه الحيلة باطلة.
2- نكاح الشغار: وهو أن ينكح الرجل ابنة الرجل وينكحه الآخر ابنته على أن تكون كل واحدة صداقا للآخر.
وهذا النكاح باطل وفيه ظلم للبنت حيث لا تأخذ مهرها وتزوج بمن لا تريد غالبا.
3- الرشوة باسم الهدية.
4- بيع العينة: وهي ربا في صورة البيع.
فقد يحتاج شخص إلى السيولة ولا يجد من يقرضه، فيذهب لأحد التجار فيشتري منه سلعة قيمتها عشرة بثلاثة عشر مؤجلا على أقساط ثم يبيعها منه بعشرة معجلة (كاش).