السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على
من لا نبي بعده.أما بعد:فهذا الموضوع الثاني من سلسلة حال السلف في العبادة وقد كنا كتبنا حالهم مع
القرآن في الموضوع
الأول.ثانياً: حال السلف في قيام الليلفإن قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة
المؤمنين وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم
وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم ويسألونه من فضله فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة
على مناجاة بارئها،تتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع
إلى عظيم العطايا والهبات
* قال الحسن البصري: لم أجد شيئاً من العبادة
أشد من الصلاة في جوف الليل.
* وقال
أبو عثمان النهدي: تضيّفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل
ثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا.
* وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة
على مقلى ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى
مصلاه.
* وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل
القبلة حتى الصباح ويقول : طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين.
* عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أبَي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان،
فكان القاريء يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف
إلاَّ في فروع الفجر . أخرجه البيهقي.
* وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت
أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر . أخرجه
مالك في الموطأ.
* وعن أبي عثمان النهدي قال: أمر عمر بثلاثة
قراء يقرؤون في رمضان، فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية، وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس
وعشرين، وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين . أخرجه عبد الرزاق في
المصنف.
* وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هُرْمز
قال: كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها القراء في اثنتي
عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم . أخرجه البيهقي
*
وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف
الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح. أخرجه البيهقي.
* وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن
أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر
ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يسثقل ذلك . أخرجه ابن أبي
شيبة.
* وعن عمران بن حُدير قال: كان أبو مجلز يقوم
بالحي في رمضان يختم في كل سبع. أخرجه ابن أبي شيبة.
* وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: كان
أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام.
* وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال:
كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون
بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام . أخرجه
البيهقي.
طبقات السلف في قيام
الليل.
قال ابن
الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات
الطبقة الأولى:
كانوا يحيون كل الليل وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء
الطبقة الثانية:
كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال
النبي : « أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه
وينام سُدسه » متفق عليه.
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو
خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير وإنما
كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع
ركعات أو ركعتين.
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين
ويُعسِّـلون في السحر فيجمعون بين الطرفين ، وفي صحيح مسلم أن النبي قال: (إن في
الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه وذلك كل
ليلة).
الأسباب الميسِّرة لقيام
الليل
ذكروا أسباباً
ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة
أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه
النوم ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة
فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين
على القيام
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم
القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة
أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن
البدع وعن فضول الدنيا
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر
الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام
الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله وقوة
الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه
كتبه
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي