الـعُـجـــب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لا أبالغ إن قلت أن أخطر الأمراض وأشدها فتكا العجب, فهذا الرجل صاحب الجنتين بسبب عجبه بماله خسر ذلك المال (وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا , ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا) وهذا قارون بسبب العجب خسف الله به وبداره (قال إنما أوتيته على علم عندي) (فخرج على قومه في زينته) (فخسفنا به وبداره الأرض), وفرعون خسر ملكه بسبب العجب (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون , أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) وهذه ليست بقصص تروى فقط بل هي أيضا نماذج تتكرر فكم رأينا من الناجحين تغيرت أحوالهم بسبب العجب وكم خسر أناس أبنائهم بسبب عجبهم بهم أو خسروا بيتا أو جاها أو مركبا أو وظيفة أو غير ذلك وقد علمنا ربنا جل جلاله كيف نطفئ نار العجب قبل أن تستعر داخلنا ومن ثم تحرق ما تصل إليه من نعم الله علينا وتحرمنا منها فقال سبحانه (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا), روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي في حلة ، تعجبه نفسه ، مرجل جمته ، إذ خسف الله به ، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة, وفي وصية لقمان لابنه (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور , واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) فهذه كلها صفات من أصيبوا بداء العجب فتعاظمت أنفسهم عندهم حتى تكبروا على الناس واحتقروهم وتفاخروا عليهم ومن ثم انعكس هذا العجب على أفعالهم فصعروا خدهم للناس ومشوا مشية المتكبرين ورفعوا أصواتهم عند مخاطبة الناس, ولعل في مجيء هذا التحذير في موعظة لقمان لابنه تنبيه وتأكيد وحماية للشباب الذين قد يقعون في هذه الصفات بسبب زهوا الشباب, وقد قال تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) وصحح الألباني ما رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تعظَّم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان, والعجب خطير على العبادات والأعمال الصالحة أيضا فقد يعجب العابد بصلاته أو تلاوته للقرآن أو قيامه للَّيل أو صدقته أو غير ذلك من الطاعات ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب, رواه البزار وحسنه الألباني,, وإذا تأملنا حال أمتنا اليوم وجدنا أن عجب بعض الحكام هو سبب تماديهم في الظلم والطغيان وتجاهلهم للأصوات التي تدعوهم للحق ورغم وضوح مصيرهم واستبانة فساد عاقبتهم إلا أنهم يصرون على هذا التمادي والسبب داء العجب والتعاظم الذي امتلأت به قلوبهم, ومن أخطر أنواع العجب إعجاب ذي الرأي برأيه وتقديم هواه على الوحي (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير , ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) وحتى نحمي أنفسنا من هذا الداء الفتاك لا بد أن نلزم أنفسنا التواضع روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد, ومن أهم ما يحصل به تربية النفس على التواضع مجالسة الضعفاء والمساكين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وقال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها), هكذا الفاروق رضي الله عنه يكسر جماح نفسه عندما رأى أنه دخلها شي فألسنا بأشد حاجة لكسر جماح أنفسنا, وقال أبو علي الجوزجاني: النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك. فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى
كتبه : مسفر أحمد الغامدي