تفسير الآيات 224-225-226 -227 بدء من قوله تعالى : ''{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }
قال الإمام الطبري في تفسيره ( جامع البيان في تفسير القرآن ) عن الآيات :
{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }
يقول تعالى ذكره: والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى.
واختلف أهل التأويـل فـي الذين وصفوا بـالغيّ فـي هذا الـموضع فقال بعضهم: رواة الشعر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي الـحسن بن يزيد الطحان، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا قـيس، عن يعلـى، عن عكرمة، عن ابن عبـاس وحدَّثنـي أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن قـيس وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطيَّة، عن قـيس، عن يعلـى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس { والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ } قال: الرواة.
وقال آخرون: هم الشياطين.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ }: الشياطين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، فـي قوله: { يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } قال: يتبعهم الشياطين.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفـيان، عن سلـمة بن كهيـل، عن عكرِمة، فـي قوله { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ } قال: عصاة الـجنّ.
وقال آخرون: هم السفهاء، وقالوا: نزل ذلك فـي رجلـين تهاجيا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ... } إلـى آخر الآية، قال: كان رجلان علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وأنهما تهاجيا، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء، فقال الله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ، ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ }.
حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ } قال: كان رجلان علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، تهاجيا، مع كلّ واحد منهما غواة من قومه، وهم السُّفهاء.
وقال آخرون: هم ضلال الـجنّ والإنس.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } قال: هم الكفـار يتبعهم ضلال الـجنّ والإنس.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول الله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } قال: الغاوونَ الـمشركون.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال فـيه ما قال الله جلّ ثناؤه: إن شعراء الـمشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الـجنّ، وذلك أن الله عمّ بقوله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } فلـم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض، فذلك علـى جميع أصناف الغواة التـي دخـلت فـي عموم الآية.
قوله: { ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمونَ } يقول تعالـى ذكره: ألـم تر يا مـحمد أنهم، يعنـي الشعراء فـي كلّ وادٍ يذهبون، كالهائم علـى وجهه علـى غير قصد، بل جائزاً علـى الـحقّ، وطريق الرشاد، وقصد السبـيـل. وإنـما هذا مثل ضربه الله لهم فـي افتنانهم فـي الوجوه التـي يفتنون فـيها بغير حقّ، فـيـمدحون بـالبـاطل قوما ويهجون آخرين كذلك بـالكذب والزور. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ } يقول: فـي كلّ لغو يخوضون.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ } قال: فـي كّل فنّ يَفْتَنُّون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، قوله { ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ } قال: فن { يَهِيـمُونَ } قال: يقولون.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، فـي قوله { فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ } قال: يـمدحون قوماً ببـاطل، ويشتـمون قوماً ببـاطل.
وقوله: { وَأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ } يقول: وأن أكثر قـيـلهم بـاطل وكذب. كما:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { وَأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ } يقول: أكثر قولهم يكذبون، وعنـي بذلك شعراء الـمشركين. كما:
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: قال رجل لأبـي: يا أبـا أسامة، أرأيت قول الله جلّ ثناؤه: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ } فقال له أبـي: إنـما هذا لشعراء الـمشركين، ولـيس شعراء الـمؤمنـين، ألا ترى أنه يقول: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ... } الـخ. فقال: فَرَّجت عنـي يا أبـا أسامة فرّج الله عنك.
وقوله: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ } وهذا استثناء من قوله { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ }. وذُكر أن هذا الاستثناء نزل فـي شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ثم هو لكلّ من كان بـالصفة التـي وصفه الله بها. وبـالذي قلنا فـي ذلك جاءت الأخبـار.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة وعلـيّ بن مـجاهد، وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري، قال: لـما نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } قال: جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يبكون، فقالوا: قد علـم الله حين أنزل هذه الآية أنَّا شعراء، فتلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثـيراً، وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا، وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ }.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } إلـى آخر السورة فـي حسَّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة وطاوس، قالا: قال { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنَّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يفْعَلُونَ } ، فنسخ من ذلك واستثنى، قال: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ... } الآية.
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قال: ثم استثنى الـمؤمنـين منهم، يعنـي الشعراء، فقال: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ }.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عبـاس، فذكر مثله.
حدثنا الـحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِـيراً، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا } قال: هم الأنصار الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبـي حسن البراد، قال: لـما نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ } ثم ذكر نـحو حديث ابن حميد عن سلـمة.
وقوله: { وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِـيراً } اختلف أهل التأويـل فـي حال الذكر الذي وصف الله به هؤلاء الـمستثنـين من الشعراء، فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومـحاورتهم الناس، قالوا: معنى الكلام: وذكروا الله كثـيراً فـي كلامهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِـيراً } فـي كلامهم.
وقال آخرون: بل ذلك فـي شعرهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِـيراً } قال: ذكروا الله فـي شعرهم.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء الـمؤمنـين بذكر الله كثـيراً، ولـم يخص ذكرهم الله علـى حال دون حال فـي كتابه، ولا علـى لسان رسوله، فصفتهم أنهم يذكرون الله كثـيراً فـي كلّ أحوالهم.
وقوله: { وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا } يقول: وانتصروا مـمن هجاهم من شعراء الـمشركين ظلـما بشعرهم وهجائهم إياهم، وإجابتهم عما هجوهم به. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا } قال: يردّون علـى الكفـار الذين كانوا يهجون الـمؤمنـين.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وانْتَصَرُوا } من الـمشركين { مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا }.
وقـيـل: عنـي بذلك كله الرهط الذين ذكرت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا علـيّ بن مـجاهد وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري، قال: لـما نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ } جاء حسَّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقالوا: قد علـم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثـيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا }.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبـي حسن البرّاد، قال: لـما نزلت { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ } ثم ذكر نـحوه.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله { وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا } قال عبد الله بن رواحة وأصحابه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد { وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا } قال: عبد الله بن رواحة.
وقوله: { وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا } يقول تعالـى ذكره: وسيعلـم الذين ظلـموا أنفسهم بشركهم بـالله من أهل مكة { أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } يقول: أيّ مرجع يرجعون إلـيه، وأيّ معاد يعودون إلـيه بعد مـماتهم، فإنهم يصيرون إلـى نار لا يُطفأ سعيرها، ولا يَسْكُن لهبها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، وعلـيّ بن مـجاهد، وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري { وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } يعنـي: أهل مكة.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } قال: وسيعلـم الذين ظلـموا من الـمشركين أيّ منقلب ينقلبون. )
من تفسير ( معالم التنزيل ) للإمام البغوي :
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآيات في كتابه ( معالم التنزيل ) :
قوله عزّ وجلّ: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ }. قال أهل التفسير: أراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر مقاتل أسماءهم، فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومشافع بن عبد مناف. وأبو عزة بن عبد الله الجمحي، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب وبالباطل، وقالوا: نحن نقول مثل ما يقول محمد. وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويروون عنهم وذلك.
قوله: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } ، هم الرواة الذين يروون هجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وقال قتادة ومجاهد: الغاوون هم الشياطين.
وقال الضحاك: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء فنزلت هذه الآية. وهي رواية عطية عن ابن عباس.
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِ وَادٍ } ، من أودية الكلام، { يَهِيمُونَ } ، حائرون وعن طريق الحق حائدون، والهائم: الذاهب على وجهه لا مقصد له.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: في كل لغو يخوضون. وقال مجاهد: في كل فن يفتنون. وقال قتادة: يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل، فالوادي مثلٌ لفنون الكلام، كما يقال أنا في وادٍ وأنت في واد. وقيل: " في كل وادٍ يهيمون " أي على كل حرف من حروف الهجاء يصُوغُون القوافي
{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، أي: يكذبون في شعرهم، يقولون: فعلنا وفعلنا، وهم كذبة. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً, خيرٌ له من أن يمتلىء شعراً ". ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية، ويهجون الكفار، وينافِحُون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، منهم حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، فقال:
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّما ترمونهم به نَضْحَ النَّبل ". أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول:
خَلُّوا بَنِي الكفَّارِ عن سَبيلهِ اليومَ نضربُكم على تَنْزِيِلهِ
ضرباً يُزيل الهَامَ عن مَقِيْلهِ ويُذْهِلُ الخليلَ عن خليلِهِ
فقال له عمر: يا ابنَ رواحةَ بين يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حَرَم الله تقول الشعر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خلِّ عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نَضْحِ النَّبْلِ ". أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني عدي أنه سمع البراء قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: " اهجهم أو هاجهم وجبريل معك ". أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر ـ المعنى واحد ـ قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يُؤيّد حسانَ بروح القدس، ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله " ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، حدثنا خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اهجُوا قريشاً فإنه أشدّ عليها من رشق النبل " ، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: " اهجهم " ، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحرّكه، فقال: والذي بعثك بالحق لأَفْرِيَنَّهم بلساني فَرْيَ الأَدِيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَعْجَّل، فإن أبا بكر أعلم قريشٍ بأنسابها، وإنّ لي فيهم نسباً حتى يلحِص لك نسبي " ، فأتاه حسان ثم رجع، فقال: يا رسول الله قد خلص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأَسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: " إن روح القُدُس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله " ، وقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هجاهم حسَّانُ فشفي واشتفى " ، قال حسان:
هَجَوْتُ محمداً فَأَجبتُ عنه وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
هجوتَ محمداً بَرًّاً حَنِيْفَاً رسولَ الله شيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي ووالدتي وعِرْضِي لِعِرْضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ
فمَنْ يهجُو رسولَ الله منكم ويَمْدَحُهُ وينصرُه سواءُ
وجبريلُ رسولُ الله فينا وروحُ القُدْس ليس له كِفَاءُ
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أُبيّ بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من الشعر لحكمة ". قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: الشعر كلام فمنه حسنٌ ومنه قبيح، فخذ الحسن ودع القبيح.
وقال الشعبي: كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر، وكان علي رضي الله تعالى عنه أشعر الثلاثة
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال: _
" أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر "
فأنشده ابن أبي ربعية القصيدة إلى آخرها، وهي قريب من سبعين بيتاً، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها، وكان حفظها بمرة واحدة.
{ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } ، أي: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله، { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } ، قال مقاتل انتصروا من المشركين، لأنهم بدؤوا بالهجاء، ثم أوعد شعراء المشركين فقال: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } ، أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلبُون } ، أيَّ مرجعٍ يرجعون بعد الموت. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلى جهنم والسعير. والله أعلم
من ( تفسير القرآن العظيم ) للإمام ابن كثير :
وقوله تعالى: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني: الكفار، يتبعهم ضلال الإنس والجن، وكذا قال مجاهد رحمه الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما. وقال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان، فينتصر لهذا فئام من الناس، ولهذا فئام من الناس، فأنزل الله تعالى: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ }.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ليث عن ابن الهاد عن يُحَنَّس مولى مصعب بن الزبير، عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، إذ عرض شاعر ينشد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا الشيطان ــــ أو أمسكوا الشيطان ــــ لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً "
وقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في كل لغو يخوضون. وقال الضحاك عن ابن عباس: في كل فن من الكلام، وكذا قال مجاهد وغيره. وقال الحسن البصري: قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها، مرة في شتيمه فلان، ومرة في مدحة فلان. وقال قتادة: الشاعر يمدح قوماً بباطل، ويذم قوماً بباطل.
وقوله تعالى: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } قال العوفي عن ابن عباس: كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وإنهما تهاجيا، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء، فقال الله تعالى: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أكثر قولهم يكذبون فيه. وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر. فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم، فيتكثرون بما ليس لهم، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حداً: هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا، لأنهم يقولون ما لا يفعلون؟ على قولين.
وقد ذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد في " الطبقات " ، والزبير بن بكار في كتاب " الفكاهة ": أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال:أَلا هَلْ أَتى الحَسْناءَ أَنَّ خَليلَها بِمَيْسانَ يُسقى في زجاج وحَنْتَمِ
إذا شِئْتُ غَنَّتْني دَهاقينُ قريةٍ ورقّاصَةٌ تحذو على كل مَبْسِمِ
فإن كُنْتَ نَدماني فَبِالأَكْبَرِ اسْقِني ولا تَسْقِني بالأَصْغَرِ المُتَثَلِّمِ
لَعَلَّ أميرَ المُؤمنينَ يَسوءُهُ تَنادُمُنا بالجَوْسَقِ المُتَهَدِّمِ
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إي والله إنه ليسوؤني ذلك، ومن لقيه، فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم
{ حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }
[غافر: 1 ــــ 3] ــــ أما بعد ــــ قد بلغني قولك:لَعَلَّ أميرَ المُؤمنين يَسوؤهُ تَنادُمُنا بالجَوْسَق المُتَهَدِّمِ
وايم الله إنه ليسوؤني، وقد عزلتك. فلما قدم على عمر، بَكَّتَه بهذا الشعر، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذاك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملاً أبداً، وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره؛ لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر رضي الله عنه، ولامه على ذلك، وعزله به، ولهذا جاء في الحديث: " لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً يريه خير له من أن يمتلىء شعراً " والمراد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن، ليس بكاهن ولا بشاعر، لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة؛ كما قال تعالى:
{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }
[يس: 69] وقال تعالى:
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
[الحاقة: 40 ــــ 43] وهكذا قال ههنا: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } إلى أن قال: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } إلى أن قال: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَـٰطِينُ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَـٰذِبُونَ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }.
وقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } قال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري قال: لما نزلت: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } قال: " أنتم " ، { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } قال: " أنتم " ، { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قال: " أنتم " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من رواية ابن إسحاق. وقد روى ابن أبي حاتم أيضاً عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة، عن الوليد بن أبي كثير عن يزيد عن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني نوفل: أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يبكيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها عليهما: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } حتى بلغ { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } قال: " أنتم ". وقال أيضاً: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } إلى قوله: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم، فأنزل الله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } الآية
وهكذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد: أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ وفي ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبساً من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحاً، وذكر الله كثيراً في مقابلة ما تقدم من الكلام السيــــىء؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه؛ كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم:يا رسولَ المَليكِ إنَّ لِساني راتِقٌ ما فَتَّقْتُ إِذْ أنا بُور
إذ أُجاري الشَّيطانَ في سَنَنِ الغَــ يِّ ومَنْ مالَ مَيْلَه مَثْبُوُر
وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه، وأكثرهم له هجواً، فلما أسلم، لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كان يهجوه، ويتولاه بعد ما كان قد عاداه، وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس: أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن؟ قال: " نعم " قال: معاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: " نعم " قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: " نعم " وذكر الثالثة، ولهذا قال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } قيل: معناه: ذكروا الله كثيراً في كلامهم، وقيل: في شعرهم. كلاهما صحيح مكفر لما سبق.
وقوله تعالى: { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين، وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد، وهذا كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: " اهجهم ــــ أو قال ــــ هاجهم، وجبريل معك " وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل ".
وقوله تعالى: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ،
وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } يعني: من الشعراء وغيرهم، وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا إياس بن أبي تميمة قال: حضرت الحسن، ومر عليه بجنازة نصراني، فقال: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }. وقال عبد الله بن رباح عن صفوان بن محرز: أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى، حتى أقول قد اندق قضيب زوره: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }.وقال ابن وهب: أخبرنا شريح الإسكندراني عن بعض المشيخة أنهم كانوا بأرض الروم، فبينما هم ليلة على نار يشتوون عليها، أو يصطلون، إذا بركاب قد أقبلوا، فقاموا إليهم، فإذا فضالة بن عبيد فيهم، فأنزلوه، فجلس معهم ــــ قال ــــ وصاحب لنا قائم يصلي حتى مر بهذه الآية: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } قال فضالة بن عبيد: هؤلاء الذين يخربون البيت. وقيل: المراد بهم أهل مكة، وقيل: الذين ظلموا من المشركين. والصحيح أن هذه الآية عامة في كل ظالم. كما قال ابن أبي حاتم: ذكر عن زكريا بن يحيى الواسطي، حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المجبر، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر وينتهي الفاجر ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدل، فلا أعلم الغيب، { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }.
من كتاب ( أضواء البيان في تفسير القرآن ) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي :
{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ }
الشعراء: جمع شاعر كجاهل وجهلاء، وعالم وعلماء، والغاوون: جمع غاو وهو الضال، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على أن اتباع الشعراء من أتباع الشيطان بدليل قوله تعالى:
{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ }
[الحجر: 42] وقرأ هذا الحرف نافع وحده: يتبعهم بسكون التاء المثناة، وفتح الباء الموحدة، وقرأه الباقون يتبعهم بتشديد المثناة، وكسر الموحدة ومعناهما واحد.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة في قوله: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على تكذيب الكفار في دعواهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، لأن الذين يتبعهم الغاوون لا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
ويوضح هذا المعنى ما جاء من الآيات مبيناً أنهم ادعوا عليه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وتكذيب الله لهم في ذلك، أما دعواهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر، فقد ذكره تعالى في قوله عنهم:
{ بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ }
[الأنبياء: 5] الآية، وقوله تعالى:
{ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }
[الصافات: 36] وقوله تعالى:
{ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ }
[الطور: 30] وأما تكذيب الله لهم في ذلك، فقد ذكره في قوله تعالى:
{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ }
[الحاقة: 41] الآية، وقوله تعالى:
{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }
[يس: 69]، وقوله تعالى:
{ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ }
[الصافات: 36ـ37]، لأن قوله تعالى: { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقّ } الآية. تكذيب لهم في قولهم إنه: { لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }.
مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: " لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله في الحديث، يريه بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء، مضارع ورى القيح جوفه، يريه، وريا إذا أكله وأفسده، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد.
واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
ومن الأدلة القرآنية على ذلك أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله:
{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }
[الشعراء: 224ـ226] استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله:
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً }
[الشعراء: 227] الآية.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة الله تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك.
المسألة الثانية: اعلم أن العلماء اختلفوا في الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حداً، هل يقام عليه الحد؟ على قولين:
أحدهما: أنه يقام عليه لأنه أقر به والإقرار تثبت به الحدود.
والثاني: أنه لا يحد بإقراره في الشعر لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد واقع لا نزاع فيه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي: أن الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد، لا يقام عليه الحد، لأن الله جل وعلا صرح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله:
{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }[الشعراء: 226] فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد، ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة وقد ذكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في الطبقات، والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر فقال:ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قا ل: إي والله إنه ليسوءني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم
{ حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }
[غافر: 1ـ3] أما بعد: فقد بلغني قولك:لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
وأيم الله إنه ليسوءني، وقد عزلتك، فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني، فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملاً أبداً، وقد قلت ما قلت فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به. انتهى محل الغرض، من كلام ابن كثير وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا.
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك لما سمع قول الفرزدق:فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
قال له: قد وجب عليك الحد، فقال الفرزدق: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله:
{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }الشعراء: 226] فلم يحده مع إقراره بموجب الحد.
عن موقع هوامير