أما ما يخص الآية
قوله تعالى:
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}دائما أقول لكي لما تستدلي بآية إستدلي بها كاملة لا تأتي بجزء فقط كي يفهم معناها كاملة و عن أي شيئ تتحدث
فلنرجع لتفسير إبن كثير أو تفسير السعدي رحمه الله
نأخذ من تفسير إبن كثير أولا
إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًاعَظِيمًاثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما:
( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) كقوله :
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء : 80]، (
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله < 7-330
أربعمائة> صلى الله عليه وسلم كقوله
:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111]. .عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
من سل سيفه في سبيل الله، فقد بايع الله" . عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: "
والله ليبعثه الله يوم القيامة
له عينان ينظر بهما، ولسان ينطق، به ويشهد على من استلمه بالحق، فمن استلمه فقد بايع الله"،
ثم قرأ:
( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُاللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ولهذا قال هاهنا: (
فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)
أي: إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه،
( وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
أي
:ثوابًا جزيلا. و
هذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سَمُربالحديبية، وكان الصحابة الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل: ألف وثلثمائة. وقيل: وأربعمائة. وقيل: وخمسمائة. والأوسط أصح.
ذكر
الأحاديث الواردة في ذلك: البخاري: عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ورواه مسلم من حديث سفيان بن
عيينة، به .
وأخرجاه أيضا من حديث الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال:
كنايومئذ ألفا وأربعمائة، ووضع يده في
ذلك الماء، فنبع الماء من بين أصابعه،حتى رووا كلهم . وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم
الحديبية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم سهما من كنانته، فوضعوه في بئر الحديبية، فجاشت بالماء،
حتى كفتهم، فقيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: كنا ألفا وأربعمائة،ولو كنا مائة ألف لكفانا . وفي رواية [في] الصحيحين عن جابر: أنهم كانوا خمس عشرة مائة
. < 7-331 > وروى البخاري من حديث قتادة، قلت
لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة. قلت: فإن جابر بن عبد الله، رضي
الله عنهما، قال: كانوا أربع عشرة مائة. قال رحمه الله: وهم، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة
.
والمشهور الذي رواه غير واحد عنه:أربع عشرة مائة، وهذا هو الذي رواه البيهقي، عن الحاكم
،
عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: كن امع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة . وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين . وروى محمد بن إسحاق في السيرة، عن الزهري، عن عروة بن
الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، أنهما حدثاه قالا خرج رسول الله صلىالله عليه وسلم عام
الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، كل بدنة عن عشرة نفر، وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني عنه يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .
ذكر سبب هذه البيعة العظيمة:
قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة
ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال:يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن
كعب منيمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني، عثمان بن
عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيتومعظما لحرمته
. < 7-332 > فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فحمله بين
يديه، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش
فبلغهم عن رسولالله [صلى الله عليه وسلم] ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله
عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول صلى الله عليه وسلم.
واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى اللهعليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل
.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "
لا نبرح حتى نناجز القوم". ودعارسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة،
فكان الناس يقولون:
بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت. وكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لميبايعهم على الموت،
ولكن بايعنا على ألا نفر. فبايع الناس، ولم يتخلف أحد من المسلمين
حضرها إلا الجد بن قيس أخو بنيسلمة، فكان جابر يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته، قد ضبأإليها يستتر
بها من الناس، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذيكان من أمر عثمان باطل.
وذكر ابن لهيعة عن الأسود . عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق، وزاد في سياقه: أن قريشا بعثوا وعندهم
عثمان [بن عفان] سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبينما هم عندهم إذ وقع كلام بين بعض المسلمين وبعض المشركين، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح
الفريقانكلاهما، وارتهن كل من الفريقين من عنده من الرسل، ونادى منادي رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ألا إن
روح القدس قد نـزل على رسول الله صلى الله علي
ه وسلم، وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا، فسار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على ألا يفروا أبدا، فأرعب ذلك المشركين
، وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين، ودعوا إلى الموادعة والصلح. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي:
عن قتادة، عن أنس بن مالك قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان
[رضي الله عنه] رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، فبايع الناس
،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
اللهم إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله".
فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلملعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم . < 7-333 > قال ابن هشام :
عن ابن عمر قال: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان، فضرب بإحدى يديه على الأخرى. وقال عبد الملك بن هشام النحوي: فذكر وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عنالشعبي: أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي . وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي: حدثنا سفيان، حدثنا ابن أبي خالد، عن
الشعبي، قال: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، كان أول من انتهى إليه أبو سنان [الأسدي رضي الله عنه] ، فقال: ابسط يدك
أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام تبايعني؟". فقال أبو سنان: على ما في نفسك. هذا أبو سنان [بن] وهب
الأسدي [رضي الله عنه
وقال البخاري: عن نافع، قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك،ولكن عمر يوم الحديبية
أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار أنيأتي به ليقاتل عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند
الشجرة،وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر،وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحتالشجرة، فانطلق، فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهيالتي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. ثم قال البخاري :وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عمربن محمد العمري، أخبرني نافع، عن ابن عمر، أن الناس كانوا مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم يوم
الحديبية قد تفرقوا في ظلال الشجر، فإذا الناسمحدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال -يعني عمر-: يا عبد الله،
انظر ماشأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى
الله عليه وسلم. فوجدهم يبايعون،فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع
.
وقد أسنده البيهقي عن أبي عمرو الأديب، عن أبي بكر الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن دحيم: حدثني الوليد
بن مسلم فذكره . وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا يوم الحديبية ألفاوأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده
تحت الشجرة وهي سمرة، وقال: بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت. رواه مسلم عن قتيبة عنه . وروى
مسلم عن يحيى بن يحيى، عن يزيد بن زريع، عن خالد، عن الحكم بن عبدالله بن الأعرج، عن معقل بن يسار، قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس ، وأنا رافع < 7-334 > غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال: ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر . وقال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمةبن الأكوع، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. قاليزيد: قلت: يا أبا مسلم ، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت . وقال البخاري أيضا: حدثنا أبو عاصم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة،قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ثم تنحيت، فقال:"يا سلمة ألا تبايع؟" قلت: بايعت، قال: "أقبل فبايع". فدنوت فبايعته. قلت:علام بايعته يا سلمة؟ قال: على الموت. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد بنأبي عبيد . وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم، أنهم بايعوه على الموت . وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الفضل بنإبراهم، حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن إبراهم، حدثنا أبو عامرالعقدي عبد الملك بن عمرو، حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة،عن أبيه سلمة
بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربععشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها، فقعد رسول الله صلى الله عليهوسلم على جباها -يعني الركي-فإما دعا وإما بصق فيها، فجاشت، فسقيناواستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة في أصلالشجرة. فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط الناس قالصلى الله عليه وسلم: "بايعني يا سلمة". قال: قلت: يا رسول الله، قد بايعتكفي أول الناس. قال:"وأيضا". قال: ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلافأعطاني حجفة -أو درقة-ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال صلى اللهعليه وسلم: "ألا تبايع يا سلمة؟" قال: قلت: يا رسول الله، قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم. قال: "وأيضا". فبايعته الثالثة، فقال: "يا سلمة،أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟". قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عامرعزلا فأعطيتها إياه: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إنككالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي" قال: ثم إنالمشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض فاصطلحنا.قال: وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، أسقي فرسه وأحسه
وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله. فلما اصطلحنانحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها، ثم اضطجعت في أصلها في ظلها، فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسولالله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم، وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهمواضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين، قتلابن زنيم. فاخترطت سيفي، فشددت على أولئك الأربعة وهم < 7-335 > رقود، فأخذت سلاحهم وجعلته ضغثا في يدي، ثم قلت : والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربتالذي فيه عيناه، قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليهوسلم، قال: وجاء عمي عامر برجل من العَبَلات يقال له: "مكرز" من المشركينيقوده، حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين منالمشركين، فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
"دعوهم يكن لهمبدء الفجور وثناه"، فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنـزل الله[عز وجل] :
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ الآية [الفتح :
24] . وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه، أو قريبا منه . وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة، عن طارق، عن سعيد بن المسيب، قال:كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. قال: فانطلقنامن قابل حاجين، فخفي علينا مكانها، فإن كان تبينت لكم، فأنتم أعلم . وقال أبو بكر الحميدي: حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزبير، حدثنا جابر، قال: "لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، وجدنا رجلا منا يقال له "الجد بن قيس" مختبئا تحت إبط بعيره". رواه مسلم من حديث ابن جريج، عن ابن الزبير، به . وقال الحميدي أيضا: حدثنا سفيان ، عن عمرو، سمع جابرا، قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فقال لنارسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم خير أهل الأرض اليوم". قال جابر: لوكنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة. قال سفيان: إنهم اختلفوا في موضعها. أخرجاه من حديث سفيان . وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا الليث. عن أبي الزبير، عن جابر،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل النار أحد ممن بايعتحت الشجرة" . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن هارون الفلاس المخرمي، حدثنا سعد بن عمروالأشعثي، حدثنا محمد بن ثابت العبدي، عن خداش بن عياش، عن أبي الزبير، عنجابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل من بايع تحت الشجرةكلهم الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر". قال: فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضلبعيره، فقلنا: تعال فبايع. فقال: أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع . < 7-336 > وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا قرة، عن أبي الزبير ، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يصعد الثنية، ثنيةالمرار، فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل". فكان أول من صعد خيل بني الخزرج، ثم تبادر الناس بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكممغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر". فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله [صلىالله عليه وسلم] . فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. فإذا هو رجل ينشد ضالة . رواه مسلم عن عبيد الله، به . وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: أخبرتني أممبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: "لا يدخلالنار -إن شاء الله-من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد". قالت: بلىيا رسول الله. فانتهرها، فقالت لحفصة :
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا [مريم : 71]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد قال الله :
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم : 72]"رواه مسلم . وفيه أيضا عن قتيبة، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن عبدًا لحاطببن أبي بلتعة جاء يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت، لا يدخلها؛ فإنه قد شهد بدراوالحديبية" . ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَإِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْنَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَعَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) [الفتح : 10] ، كماقال تعالى في الآية الأخرى :
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَالشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَعَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح : 18] .
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَفِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْأَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)
< 7-337 > يقول تعالى مخبرا رسوله -صلوات الله وسلامه عليه -بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذروا بشغلهم بذلك، وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد، بل على وجهالتقية والمصانعة؛ ولهذا قال تعالى: ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَالَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًاإِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ) أي: لا يقدرأحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم، وإنصانعتمونا وتابعتمونا ؛ ولهذا قال: ( بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) . ثم قال: ( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُوَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا ) أي: لم يكن تخلفكم تخلفمعذور ولا عاص، بل تخلف نفاق، ( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَالرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا ) أي: اعتقدتمأنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم، ولا يرجع منهم مخبر، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) أي: هلكى. قالهابن عباس، ومجاهد، وغير واحد. وقال قتادة: فاسدين. وقيل: هي بلغة عمان. ثم قال: ( وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) أي: من لميخلص العمل في الظاهر والباطن لله، فإن الله تعالى سيعذبه في السعير، وإنأظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر. ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض: (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُغَفُورًا رَحِيمًا ) أي: لمن تاب إليه وأناب، وخضع لديه.
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْلَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَبَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا (15)
يقول تعالى مخبرًا عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها:أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم، وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداءومجالدتهم ومصابرتهم، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يأذن لهم فيذلك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم. فإن الله تعالى وعد أهل الحديبية بمغانمخيبر وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين، فلا يقع غير ذلك شرعا وقدرا؛ ولهذا قال: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) قال مجاهد، وقتادة، وجويبر: وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية. واختاره ابن جرير
. < 7-338 > وقال ابن زيد: هو قوله :
فَإِنْرَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِفَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَعَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوامَعَ الْخَالِفِينَ [التوبة : 83] . وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر؛ لأن هذه الآية التي في "براءة" نـزلت في غزوة تبوك، وهي متأخرة عن غزوة الحديبية. وقال ابن جريج: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ) يعني: بتثبيطهم المسلمين عن الجهاد. ( قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) أي: وعد الله أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم، ( فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ) أي: أن نشرككم فيالمغانم، ( بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا ) أي: ليس الأمر كمازعموا، ولكن لا فهم لهم . هذا هو التفسير للأية و نزولها و على ما تدل
من أرد التوسع فليرجع لمجموعة التفاسير
http://www.qurancomplex.org/Quran/tafseer/Tafseer.asp?l=arb&t=katheer&nSora=48&nAya=10#48_10